على مدى أربعين عاماً أو أكثر عشتها في قطر لم أر بهجة ولا فرحة تغمر الناس وتملأ الإحساس بمثل تلك المشاعر الفياضة التي عبرت عن نفسها هذا الأسبوع في مظاهر شتى عديدة. فلم يكن اليوم الوطني هذا العام مجرد مناسبة لذكرى عزيزة، وإنما هو يوم تقاطعت معه مفاخر الماضي بإنجازات الحاضر وحلم المستقبل، يومٌ تجسدت فيه لدى المواطن والمقيم مظاهر الاعتزاز بالانتماء لهذا الوطن والعيش فيه، والرغبة في المشاركة الحقيقة والفاعلة في بناء حضارته الجديدة على أسس من الحق والعدل والإنصاف لكل الناس. لقد كبرت قطر وعلت هاماتها عالياً، بقدر عظمة إنجازاتها التي خلدها شارع 77 الممتد من الدوحة إلى رأس لفان، وبقدر طموحاتها التي رفعت راياتها بين الأمم وصولاً إلى العام 2022. وفي يوم العيد الوطني-كما في كل الأعياد يحلو للمرء أن يقارن بين الماضي والحاضر، كي نعرف كيف كنا وأين أصبحنا في زماننا الذي عشناه وعايشنا أحداثه الكثيرة سنة بعد أخرى.
لقد أكرمني الله بالحضور إلى قطر في سبتمبر عام 1967 والتحقت بالصف الثالث الثانوي بمدرسة الدوحة الثانوية، وكانت هي المدرسة الوحيدة للتعليم الثانوي للبنين آنذاك- وكان من حُسن الطالع أن يكون من بين الزملاء فتى أسمر طويل القامة، قوي البنية، تبدو على محياه الإمارة وحُسن الخلق، وتعكس تصرفاته عمق الانتماء إلى الوطن وإلى العروبة، وكان ذاك هو حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة حفظه الله.
كانت قطر في تلك السنة قرية نائمة على ساحل الخليج ، رغم ما بدا فيها من تطور قياساً بفترة الخمسينيات. ومع ذلك لم يكن فيها إلا عدد محدود من المدارس، ومستشفى واحد (الرميلة) ومستشفى للولادة، ومصنع واحد للإسمنت في إم باب، وآخر للألبان في أمسيعيد، ومحطة كهرباء صغيرة في رأس أبو عبود، وشركتين أجنبيتين لإنتاج النفط، ومحطة صغيرة لتكرير النفط بطاقة 11 ألف برميل يومياً، ومطار محلي صغير، وبنك قطري واحد هو الوطني مع عدة فروع لبنوك عربية وأجنبية، وشركة للملاحة وعدة فروع لشركات تأمين، وشركة أجنبية للهاتف والاتصالات. ولم يكن هناك إذاعة أو تلفاز أو صحف أو جامعة، كما لم تكن هناك ملاعب لأندية رياضية باستثناء استاد الدوحة، وكان عدد السكان لا يتجاوز المائة ألف نسمة.وعندما سافرت إلى مصر للدراسة الجامعية وجدت أن من بين الطلبة من لا يعرف قطر، فقلت لهم إنها على الخليج بجوار الكويت.
أما اليوم، فقد غدت قطر بفضل الله وعزيمة ذلك الفتى الأسمر، ورجاله المخلصين من أهم دول منطقة الشرق الأوسط، ليس لكونها صاحبة أعلى متوسط دخل للفرد في العالم فقط وإنما لأشياء أخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها، ولكن نذكر منها أنها أكبر دولة في إنتاج وتصدير الغاز المسال في العالم بطاقة 77 مليون طن سنوياً، وأكبر منتج للوقود النظيف المستخلص من الغاز، ومن بين أكبر منتجي الأسمدة الكيماوية والبتروكيماويات في العالم. ولديها محطات ضخمة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وتسع جامعات للتعليم وواحدة من أهم القنوات الفضائية الإخبارية في العالم العربي، ولديها تسع ملاعب رياضية، وتستعد لاستضافة أكبر حدث رياضي عالمي في عام 2022.كما لدى قطر تسعة بنوك وخمس شركات تأمين وطنية إضافة إلى الفروع الأجنبية، ولديها مركز عالمي للمال، وشركة اتصالات وطنية دولية عملاقة (كيوتيل)، ولديها 5 مستشفيات حكومية بخلاف المستشفيات الخاصة وعدد كبير من مراكز الرعاية الصحية. إن قائمة الإنجازات طويلة ولا تكاد تنتهي، ويكفي في الدلالة على عظمة ما حققته قطر من إنجازات أنها تبوأت المركز الأول بين دول الشرق الأوسط والمركز الـ 17 عالمياً في مجال التنافسية الدولية. كما أن دولة قطر باتت واحدة من الدول الهامة في مجال الاستثمارات الخارجية ولديها صندوق سيادي نشط يقوم بدور هام في تأمين مستقبل الأجيال القادمة. ويضاف إلى كل ما تقدم أن عدد السكان قد تضاعف في عام 2010 إلى قرابة 1.7 مليون نسمة، وباتت حكومة دولة قطر من أهم القوى الفاعلة في السياسة العربية والإقليمية ويشهد لها إنجازاتها الكبيرة في مجال حل النزاعات والقضايا المستعصية التي أرقت المنطقة طويلاً.
فالحمد لله على نعمائه التي لا تحصى، ومبروك لكل قطر .. أميراً .. وحكومة .. وشعباً في يوم عيدها الوطني المجيد ... وإلى مزيد من التقدم والازدهار يا قطر.