أجمعت كل التقارير التي علقت على أحداث البورصة في الأسبوع الماضي على أن ما حدث كان كالإعصار في قوته وكالطفرة في نتائجه، ومع ذلك تخوف البعض من أن قوة الاندفاع التي تحققت في اليوم الأول قد شابها ضعف في الأيام التالية على مستوى المؤشر وإجمالي حجم التداول. وأنه رغم تقوي الأداء يوم الأربعاء ثانية، إلا أن عودة المؤشر إلى المنطقة السالبة يوم الخميس قد زاد من مخاوف هذه الفئة من المتعاملين على اتجاهات الأسعار في الأيام القادمة. ومؤدى وجهة النظر المتخوفة أن المؤشر قد ارتفع في الشهور الأربعة السابقة بنحو 1850 نقطة، وأن حدوث المزيد من الارتفاع في الأسابيع القادمة قد يصطدم بحسابات الربح والخسارة لكل شركة من الشركات المساهمة على حدة.
الجدير بالذكر أن أسعار الأسهم لم ترتفع كلها بنفس الدرجة، فقد رأينا في الأسبوع الماضي أن الشركات التي سجلت أسعارها أعلى زيادة سعرية هي إما شركات إسمنت، أو شركات عقارات أو بنوك تمويل. وإذا ما تنبهنا إلى أننا نقترب من نهاية العام فإن الأنظار كلها ستعود حتماً بعد شهر من الآن لتتبع الأرباح المعلنة للشركات والتي ستكون إلى حد كبير غير بعيدة عن نتائج الشهور التسعة الأولى، أي ليس بينها أي أثر لمشروعات المونديال. وقد يكون لوجهة النظر هذه وجاهتها التي تستحق أن نصغي إليها، لفهم واستيعاب ما قد يحدث في البورصة في الأسابيع القادمة.
وبداية نأخذ ما حدث لسعري سهمي الإسمنت، والخليج القابضة لنقارن ردة الفعل الأولية على نبأ الفوز بالمونديال على ما قد يحدث لأرباح الشركتين وتوزيعاتهما عن عام 2010 والذي سيتم الإعلان عنه في غضون شهرين من الآن. فقد ارتفع سعر سهم شركة الإسمنت في أسبوع بنسبة 31% إلى 116 ريال مقارنة بـ 88.5 ريال، وارتفع سعر سهم الخليج القابضة بنسبة 30% إلى 18.6% مقارنة بـ 14.3 ريال قبل أسبوع. هذا الارتفاع الكبير في كلا السعرين مبني على توقع أن ترتفع أسعار الإسمنت من جديد وأن تزداد أرباح الشركتين من أنشطتهما المختلفة. وذلك التوقع غير دقيق في الأجل القصير أي في غضون الشهور القادمة على الأقل لسببين أولهما أن أنشطة الشركتين لن تتضاعف بين ليلة وضحاها وأنه حتى لو حدث ذلك، فلن يكون للسنة الحالية منه إلا قدر يسير جداً لا يؤثر على المعطيات المالية لأي منهما، والسبب الثاني أن الحكومة قد أعلنت غير مرة عزمها مراقبة الأسعار وعدم السماح بارتفاع معدل التضخم وهو ما قد يحرم الشركتين من نتائج أي زيادة في أسعار الإسمنت.
فإذا دققنا بعد ذلك في نتائج الشركتين في فترة الشهور التسعة الأولى من العام2010 سنجد أن شركة الإسمنت قد حققت أرباحاً صافياً مقدارها 256.8 مليون ريال، وهو ما يزيد بنسبة 1.4% عن أرباح الفترة المناظرة من عام 2009، وأن الشركة بالتالي لن توزع في الغالب أكثر من الستة ريالات التي وزعتها نقداً عن أرباح عام 2009. ويشكل هذا العائد ما نسبته 5.2% عند مستوى السعر الحالي البالغ 116 ريالاً للسهم. وتنخفض نسبة العائد إذا ما ارتفع السعر مجدداً بحيث قد تصل النسبة إلى 4% عند سعر 150 ريال للسهم. فهل يرتفع السعر إلى هذا المستوى؟ قد يكون ذلك ممكناً باعتبار أن العائد المصرفي يقل عن 3% هذه الأيام، ولكن احتمالات انخفاض سعر سهم الشركة بعد توزيع الأرباح قد تحد من الإقدام على الشراء بقوة فوق مستوى 125 ريالاً للسهم. صحيح أن رواج النشاط العقاري في عام 2011 وما بعده قد يرفع سعر الإسمنت، ولكن ذلك يصطدم بما أعلنته الحكومة من عزمها على ضبط الأسعار والإبقاء على معدل التضخم في حدود معقولة.
وإذا ما أخذنا المعطيات المالية لشركة الخليج القابضة سنجد أن أرباحها الصافية في الشهور التسعة الأولى من العام قد بلغت 31.7 مليون ريال مقارنة بـ 58.8 مليون ريال في الفترة المناظرة، وأن الشركة -التي لم توزع أرباحاً نقدية حتى الآن لمساهميها- قد لا تتمكن من توزيع أكثر من ريال إلى ريال ونصف عن أرباح عام 2010 وذلك من أرباحها المرحلة، علماً أن وضع النقدية والمديونية لدى الشركة في نهاية سبتمبر كانت لا تسمح بأكثر من ذلك. وهذا المستوى من العائد قد لا يسمح بزيادة سعر السهم إلى أكثر من 25 ريال للسهم في مرحلة ما قبل توزيع الأرباح، مع التسليم بأن سعر السهم قد ينخفض مجدداً بعد التوزيع كما هو المعتاد، وينخفض أكثر بالطبع إذا قررت الشركة عدم توزيع أرباح هذا العام.
والخلاصة أنه بعد ذهاب نشوة المونديال، فإن حسابات الأرباح المقترح توزيعها عن عام 2010 ستكون هي العامل الحاسم في تحديد اتجاهات أسعار الأسهم في المرحلة القادمة. ويظل ذلك كما كان دائماً رأيٌ شخصيٌ يحتمل الصواب والخطأ، والله أعلم.
قطر اصبحت رمز للتقدم ... الله يوفقكم و يرزقنا مما رزقكم