إرهاصات اللحظات الأخيرة ما قبل قرعة المونديال

28/11/2010 8
بشير يوسف الكحلوت

أيام قليلة تفصلنا هذا الأسبوع عن الحدث الكبير والهام في حياة قطر باعتبار أن تطلعاتنا لمستقبل الاقتصاد القطري في عشر سنوات تالية على الأقل ستكون مختلفة في أحد السيناريوهين المتوقعين للقرعة عن الآخر. وإذا كانت قطر ستحتفل في النصف الأول من شهر ديسمبر بحدث تاريخي بارز في مسيرتها الاقتصادية  يتمثل في الوصول بالطاقة الإنتاجية لمشروعات تسييل وتصدير الغاز إلى المستوى المستهدف وهو 77 مليون طن سنوياً، فإن ما ستسفر عنه القرعة مساء يوم 2 ديسمبر يمثل في أحد احتمالاته بداية الانطلاقة  لمرحلة جديدة ستؤثر ولا شك على مجريات الحياة في قطر في العقد القادم وما بعده. وقد سبق أن تناولت هذا الموضوع في عدة مقالات سابقة تناولت فيها على وجه التحديد السياسات الاقتصادية اللازمة في مواجهة استحقاقات المونديال، وأشرت على وجه الخصوص إلى عدة موضوعات منها  قدرة قطر على تغطية التكاليف المالية الضخمة لمنشئات المونديال والتي تصل إلى نحو 155 مليار ريال بالأسعار الحالية، وأهمية تنشيط السياسات الحكومية المالية والنقدية للإبقاء على معدل التضخم في الحدود المعقولة حتى لا تتضخم تكاليف المونديال من ناحية وحتى لا يتأثر المجتمع سلباً بارتفاع معدل التضخم. وقد أشرت ضمن أمور أخرى إلى أن  نمو عدد السكان في قطر سوف يعود إلى التسارع من جديد وهو ما سيؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات المختلفة، وذلك ما يجب أن تأخذه اللجان الحكومية  عن تصديها لدراسة الآثار المحتملة لفوز قطر في القرعة.

على أن الأسابيع الأخيرة على وجه التحديد قد شهدت فترة من الاستعداد والترقب لهذا الحدث على أكثر من صعيد ففي قطاع العقارات رأى المتفائلون أن الفرصة مواتية للشراء قبيل 2 ديسمبر باعتبار أن زيادة الطلب بعد ذلك قد ترفع الأسعار في كل المناطق بوجه عام وفي مناطق بعينها بوجه خاص،  وأنه حتى في حالة عدم الفوز فإن مشروعات الخطة الإنمائية للسنوات 2011-2016 التي أعلن عنها حضرة صاحب السمو الأمير في خطابه بمجلس الشورى كفيلة بالإبقاء على زخم النشاط الاقتصادي في قطر. وفي المقابل رأى آخرون أن الأسعار قد ارتفعت بالفعل على مدى الشهور الستة الماضية، وأن الذهاب إلى الاحتمال الآخر قد يُحدث ردة فعل عكسية في الأسعار بما قد يجعلها تنخفض أو على الأقل تتوقف عن الارتفاع. ويستند أصحاب هذا الرأي الأخير إلى حقيقة أن البنوك لا زالت شحيحة في إقراضها للقطاع الخاص بوجه عام وللقطاع العقاري بوجه خاص، مما يحول دون حدوث ارتفاع كبير في أسعار العقارات في الفترة القادمة حتى لو فازت قطر باستضافة المونديال. كما يستند أصحاب هذا الرأي إلى ما يلمسونه من اهتمام حكومي كبير بالسيطرة على معدل التضخم، وأن عمليات الاستملاك والهدم  لن تتسارع  بالتالي كما حدث في فترة الاستعداد لفعاليات الأسياد في الفترة 2002-2006 التي نتج عنها  خروج معدل التضخم عن السيطرة في الفترة 2005-2008.

وعلى صعيد آخر، وجدنا في الشهور الأخيرة أن أسعار الأسهم قد عادت إلى الارتفاع بشكل منتظم بتأثير مشتريات صافية متواصلة من محافظ غير قطرية  بما يوحي باحتمال أن يكون في ذلك نوع من المراهنة على ارتفاع مستمر في أسعار الأسهم القطرية إذا ما فازت  قطر في القرعة الأولمبية.

على أن وتيرة النشاط للقطاع الخاص في الشهور الماضية لم تكن على نفس الوتيرة من النمو؛ وتشهد على ذلك أرقام القطاع المصرفي سواء في ذلك ودائع القطاع الخاص أو الائتمان المحلي المقدم لقطاعات العقارات والخدمات والتجارة والقروض الاستهلاكية. وقد أنعكس ذلك على فرص التوظيف المتاحة في هذا القطاع، وقد أكد لي بعض الباحثين عن وظيفة أن هناك من اعتذر لهم عن التعاقد معهم وطلب الانتظار لما بعد 2 ديسمبر القادم.

وإذن .. فنحن في قطر على أعتاب مرحلة جديدة سترسم التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للبلاد لسنوات طويلة قادمة،  والمؤكد أن قطر العظيمة بأهلها ومواردها وإمكانياتها لن تتوقف كثيراً عند ما ستفرزه القرعة يوم 2 ديسمبر،  بل ستواصل البناء والنماء بفكر مفتوح وعقل متدبر ومستنير.