حصة «زين السعودية»

13/11/2010 3
د. قصي الخنيزي

ضمن سياق التطورات الاقتصادية العالمية على المستوى الكلي وبما يتناسب مع تسارع اندماج الاقتصاد العالمي وتنامي موجة العولمة يبرز تراجع دور القطاع العام في إدارة الدفة الاقتصادية، إسقاط الحواجز الجمركية ومعوقات انسياب تجارة السلع والخدمات الدولية، إزالة الاختلالات الهيكلية التي قد تتمثل في عدم مرونة امتصاص الهزات الاقتصادية والاحتكار وغيرها من التشوهات الهيكلية التي تضر بالمنافسة الحرة والتوظيف الأمثل للموارد. وقد يكون التوجه نحو التحرير الفعلي المتدرج لقطاع خدمات الاتصالات، تحرير قطاع الخدمات المالية الاستثمارية، وتحرير قطاع التأمين هي الأحداث الأبرز في ميدان تحرير الخدمات منذ عام 2003.

فمن نافلة القول، أن تحرير قطاع الاتصالات بعد تخصيص الاتصالات السعودية ودخول منافسين، منهم شركتا اتحاد اتصالات وشركة زين السعودية بجانب شركة عذيب للاتصالات الثابتة، أسهم في الرقي بالخدمات من قِبل جميع شركات الاتصالات وتخفيض تكلفة استهلاك خدمات الاتصالات بجانب النمو السريع لقطاع خدمات إنترنت النطاق العريض وخدمات الجيل الثالث. فالفوائد لم تقتصر على الهيكل الكلي لقطاع الاتصالات والتوظيف الأمثل للموارد ضمن هذا القطاع فحسب، بل انعكست على الأداء الإجمالي للقطاعات ككل، حيث طالت المستوى الجزئي لتحفز المنافسة بين شركات الاتصالات على استقطاب عدد أكبر من المشتركين في السوق من خلال اتباع استراتيجيات تهدف إلى تعظيم الحصة السوقية باستخدام الميزة التنافسية التي تتمتع بها كل شركة على الأخرى، كالقدرة على تقليل التكاليف وبالتالي انخفاض سعر توفير الخدمة للمستهلك، تقديم خدمات جديدة تعتمد على تقنية متفوقة، تحسين الجودة والابتكار، وغيرها من استراتيجيات التنافس المعقدة التي تزخر بها الأدبيات الاقتصادية ـــ ولا مجال لذكرها في هذا المقام، لكنها تتمحور حول حيازة ثقة المستهلك ومدى اعتمادية مقدم الخدمة على المدى الطويل.

وفي الأعوام القليلة الماضية، كان لتحرير قطاع الاتصالات آثار كبيرة، من أهمها قناعة عموم المستهلكين بفوائد تحرير القطاعات وفتح باب المنافسة للحصول على فوائد إجمالية تضيف إلى رضا المستهلك، وكما يشار إليها اقتصاديا بتعظيم فائض المستهلك. ومن ضمن القطاعات التي تم تحريرها جزئيا قطاع النقل الجوي الداخلي، الذي لا تعتبر تجربة تحريره بمقياس لفوائد التحرير الاقتصادي؛ نظرا إلى التشوهات التي شابت عملية التحرير والتفضيل للشركة المهيمنة في العمليات ومدخلات الخدمات؛ ما يشير إلى فشل في تنظيم عملية تحرير قطاع النقل الجوي الداخلي. لذا، من المنطقي أن نعتبر عملية تحرير النقل الجوي وما آلت إليه من خروج المنافسين كاستثناء لقاعدة مفادها أهمية فوائد التحرير للمستهلك، كما أثبت ذلك تحرير القطاعات الأخرى الحيوية.

فتحرير قطاع الاتصالات وفتح باب المنافسة بدأ مع تاريخ تأسيس شركة اتحاد اتصالات ''موبايلي'' في كانون الأول (ديسمبر) 2004، ثم تبع ذلك تأسيس شركة زين السعودية في آذار (مارس) 2008 وشركة عذيب للاتصالات الثابتة واللاسلكية في شباط (فبراير) 2009. وبالتركيز على قطاع الاتصالات المتحركة أو الهاتف المحمول والإنترنت، بدأ في قطاع الاتصالات نوع من التوازن والاتضاح في خريطة المنافسة والقوى السوقية بين الشركات الثلاث الفاعلة في القطاع بعد سنوات من المنافسة أتضح من نتائجها المالية بأن قيمة الرخصة والقدرة على تحقيق كفاءة تشغيلية عالية والابتكار في تطوير المنتجات هي المحددات الرئيسة للنمو ورفع الحصة السوقية. وكان من نتائج تحرير قطاع الاتصالات تحقيق ارتفاع في فائض المستهلك والمنتج وزيادة في كفاءة الخدمات إضافة إلى فوائد أخرى تشمل نمو القطاعات الخدمية والإنتاجية التي تمكنت من تقليل تكاليفها من خلال انخفاض تكاليف الاتصال وخدمات الإنترنت، فشكرا للتحرير.

وبالتأكيد، فإن تحرير أي قطاع يستلزم وجود الرقابة والتنظيم والقوانين والتشريعات التي تضمن فاعلية القطاع ككل من خلال تقنين علاقات الشركات ببعضها البعض، ومتطلبات المشاركة في الأصول الثابتة غير القابلة للتكرير والالتزام بنسب النفاذ وعدم تجاوز أي شركة نظم الإغراق وإلحاق الضرر بالشركات الأخرى، التي تعتبر كلها من مهام هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات. وقد أورد موقع أرقام نقلا عن صحيفة ''القبس'' الكويتية الأسبوع الماضي موافقة ''مجلس إدارة شركة ''زين الكويتية'' في اجتماعه، على فتح الدفاتر والتعاون مع شركة ''اتصالات الإماراتية'' في عملية الفحص النافي للجهالة''. هذا التحرك من قِبل اتصالات الإماراتية قد ينتج منه تملُّك اتصالات لنحو 51 في المائة من شركة زين الكويتية، بينما تملك شركة اتصالات الإمارات نحو 27.4 في المائة من شركة اتحاد اتصالات موبايلي في الوقت الذي تملك فيه شركة زين الكويتية نحو 25 في المائة من شركة زين السعودية. بمعنى آخر، لو كان للصفقة أن تتم بوضعها الحالي، ستمتلك مؤسسة الإمارات للاتصالات حصة مهيمنة في الشركتين المتنافستين مع الاتصالات السعودية؛ ما قد يخلق نوعا من التكتل وما قد يؤثر على هيكل المنافسة.

ونظرا إلى تملك اتصالات الإماراتية في ''موبايلي'' وعدم سماح التشريعات المحلية السعودية لقطاع الاتصالات بتملُّك شركتين متنافستين، فقد تم استثناء شركة زين السعودية من الصفقة، وأوضحت المصادر الإخبارية وجود مستثمر سعودي على استعداد لشراء حصة زين السعودية بقيمة تصل إلى 700 مليون دولار. حقيقة، قد يؤدي بيع حصة زين السعودية إلى تغيير نسبي في توازنات قطاع الاتصالات، خصوصا إذا كان المستثمر الجديد يضيف قيمة استراتيجية وبتكامل مع عمليات أخرى ذات علاقة، أي وجود نوع من الفائدة الناتجة من دمج العمليات synergy. لذا، من المتوقع أن يكون التنافس على حصة زين السعودية بين شركة بتلكو البحرينية وشركة كيوتل القطرية؛ نظرا إلى تملك الأولى نسبة 15 في المائة في شركة عذيب للاتصالات وتملك الثانية حصة في شركة برافو التي تستخدم في الدرجة الأولى من قطاع الأعمال.

وأخيرا، من المتوقع أن تكون ''بتلكو'' و''كيوتل'' هما المتنافستان الأساسيتان على حصة زين السعودية، خصوصا لارتباط خدمات الهاتف المتحرك بنشاطاتهما الحالية ذات العلاقة بالسوق السعودية؛ ما قد يؤدي إلى بروز فوائد تتعدى الفوائد التي قد تحصل عليها الشركات الأخرى المنافسة، التي لا تملك وجودا في قطاع الاتصالات السعودي.