لعل ارتفاع سعر النفط المقوم بالدولار هو من بين أهم التأثيرات التي ستنتج عن تدهور سعر صرف الدولار في الأجل القصير، وذلك في حد ذاته تأثير إيجابي إذا ما نُظر إليه من زاوية تحسن الإيرادات العامة لدولة قطر ودول مجلس التعاون. ونجد بهذا الصدد أن سعر برميل النفط قد عاد الآن إلى أعلى مستوى له هذا العام وهو 87 دولاراً للبرميل، مع كونه مرشحاً لمزيد من الارتفاع إلى حدود المائة دولار بشكل متزامن مع التراجعات التي ستطرأ على سعر الدولار أمام اليورو والين والعملات الرئيسية الأخرى. وقد يؤدي ارتفاع الإيرادات العامة بدوره إلى زيادة في الإنفاق العام في السنوات القليلة القادمة وإلى تحقيق المزيد من الوفورات في الموازنات الخليجية.
وسيكون لارتفاع أسعار النفط تأثير مباشر على الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس بالأسعار الجارية حيث سيعود الناتج في كل بلد إلى الارتفاع بمعدلات عالية على النحو الذي شهدناه في الفترة 2006-2008. ولكن هذا النمط من الارتفاع سيتركز في الأجل القصير على القطاعات النفطية وتوابعها كالغاز والبتروكيماويات، ولن ينتقل أثره بنفس الدرجة إلى القطاعات الأخرى، إلا إذا عمدت دول المجلس إلى التوسع في الإنفاق العام بشكل كبير.
على أن التدهور في سعر صرف الدولار ليس مغنماً كله بل له سلبيات كثيرة نذكر منها تأثيره السلبي على المدخرات النقدية المقومة بالعملات الخليجية أو بالدولار نفسه، إذ أن هذه المدخرات ستفقد جزءاً من قيمتها مقابل العملات المرتفعة كالين واليورو، وتفقد جزءاً من قدرتها الشرائية عند استخدامها في شراء السلع الدولية التي ترتفع أسعارها كما في النفط، أو عند استخدامها في شراء المقتنيات والأصول العينية، أو عند تنفيذ المشروعات الكبيرة. ومن هنا فإن عودة معدلات التضخم في دول المنطقة إلى الارتفاع سيكون من بين السلبيات الناتجة عن تدهور سعر صرف الدولار، وستتعزز هذه العودة إذا ما أدت زيادة الإيرادات الحكومية إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العام. الجدير بالذكر أن معدل التضخم في قطر لا يزال في المنطقة السالبة، وقد يغادرها ويتحول إلى معدل موجب في عام 2011 بعد أكثر من عامين من التراجع في أسعار سلة السلع والخدمات المكونة للرقم القياسي للسلع والخدمات، وبوجه خاص لتراجع مكون الإيجار. وسيكون الارتفاع في معدل التضخم القادم ناتج بالدرجة الأولى عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستوردة، ونذكر منها أسعار السيارات والمعدات والأجهزة بأنواعها وتكاليف السفر وأسعار الأدوية واللحوم والمحاصيل الغذائية والمواد الخام. ولكن لأن عودة الإيجارات وأسعار العقارات إلى الارتفاع ستكون مؤجلة بعض الشيء لوجود فائض في المعروض، لذا فإن الارتفاع في معدل التضخم سيكون معتدلاً خلال العامين القادمين على الأقل.
وإذا كان الاحتفاظ بالنقود في صورة ودائع يعرض قيمها للتآكل بفعل التضخم وتدهور أسعارها مقابل العملات الرئيسية غير الدولار-خاصة في ظل الانخفاض الشديد في معدلات الفائدة- فإن الاقتراض بالدولار في الوقت الراهن أو إصدار سندات بالدولار يبدو أمراً مربحاً للمقترض إذا ما تم بمعدلات منخفضة جداً تتراوح ما بين 4-5%، باعتبار أن السداد سيتم بدولارات تقل قيمتها الفعلية عند السداد عما كانت عليه وقت الشراء أو الاقتراض. ونفهم لذلك أسباب ميل كثير من البنوك الخليجية إلى إصدار سندات جديدة بالدولار على أمل تحقيق أرباح رأسمالية عند انخفاض أسعار صرف الدولار. وربما لهذا السبب تكون النصيحة المعاكسة للأفراد والمؤسسات بعدم الإقبال على شراء السندات وأدوات الاستثمار ذات الدخل الثابت المقومة بالدولار، باعتبار أن معدلات الفائدة التي تحملها هذه السندات منخفضة كثيراً، ولأن احتمالات تدهور سعر صرف الدولار تظل قائمة.
وفي الأجل المتوسط- الذي لن يتأخر كثيراً- ستعود الضغوط على العملات الخليجية كي يتم رفع أسعار صرفها مقابل الدولار، وهي الضغوط التي بلغت ذروتها في منتصف عام 2008، وتعطلت فجأة بسبب معطيات الأزمة المالية العالمية. فالمراهنة على رفع أسعار صرف تلك العملات، قد تكون مبررة في مرحلة ما قادمة للجم الضغوط التضخمية الناتجة أساساً عن تدهور سعر صرف الدولار. وإذا كان التضخم المتزامن مع انتعاش قوي في الداخل قد حال دون حدوث الرفع في أسعار العملات المحلية عام 2008، فإن هكذا رفع قد يُصبح لازماً وضرورياً في حالتين الأولى أن لا يحدث الانتعاش الاقتصادي المأمول في القطاعات غير النفطية وفي أنشطة القطاع الخاص على وجه العموم، فيكون ارتفاع التضخم المستورد مؤلماً لفئات ذوي الدخل المحدود وللعاطلين عن العمل، وبالتالي يكون موجباً لهكذا خطوة، كما قد يكون الرفع مطلوباً إذا حدث تدهور حاد في سعر صرف الدولار بحيث قد يضر بقيم تحويلات العاملين، الصافية إلى بلدانهم، وهو ما حدث على نطاق ضيق في عام 2008 في دبي.
وفي ظل انخفاض معدلات الفائدة على الودائع، ووجود فائض في المعروض العقاري يحول دون الاستثمار فيه بقوة، خاصة مع ارتفاع تكلفة التمويل بارتفاع فائدة الإقراض، فإن الاستثمار في الأسهم المحلية قد يكون خياراً مهماً في الفترة القادمة.
ويظل ذلك رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ.