من المفروض أن تعكس أسعار الأسهم التوقعات المستقبلية لمجمل المستثمرين أو ما يسمى الإجماع السوقي Market Sentiment لا أن تكون أسعار الأسهم انعكاسا للأداء التاريخي ومجرد ردة فعل للنتائج المالية للشركة، فردة فعل السوق لأخبار ونتائج الشركات يجب أن تبنى على الفرق بين التوقعات والنتائج الفعلية المحققة.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مصدر توقعات الأداء يجب أن يكون إعلانات الشركات عن النتائج المتوقعة والنسب المالية المستهدفة، وتوقعات المحللين الماليين وخبراء الاستثمار. بيد أن واقع سوق الأسهم السعودية يبين عدم وجود أو ندرة تقارير عن توقعات الأداء تصدر من الشركات المدرجة في السوق باستثناء تقارير البنوك الاستثمارية التي تزايدت في العامين الماضيين.
إن غياب هذه التوقعات يجعل السوق عرضة لتلقي الشائعات والتوقعات بجانب التوصيات غير المنطقية التي يتكرر صداها بشكل يؤثر في التحركات التي يجب أن تأخذها أسعار الأسهم، ولينتهي الحال بالمؤشر عموماً وبأسعار أسهم الشركات إلى التذبذب الحاد. ويرتبط الحديث عن المعلومات والتوقعات المستقبلية ارتباطاً وثيقاً بكفاءة السوق المالية، حيث إن كفاءة السوق المالية تعني انعكاس المعلومات المتوافرة والمتوقعة للسوق على أسعار الأسهم، أي أن سعر السهم يعكس المعلومات المتوافرة والمتوقعة من قبل عموم المستثمرين في السوق ليشكلوا قوى العرض والطلب للوصول إلى القيمة السوقية العادلة تبعاً لهذه المعلومات.
الوصول إلى التوازن السعري والقيمة العادلة لسهم معين في السوق عالية الكفاءة يكون سريعاً ودون حدوث تذبذب كبير يبين تفاوت المعلومات المتوافرة وتفاوت توظيفها عند اتخاذ القرار الاستثماري، أما في الأسواق المالية ذات الكفاءة الضعيفة، يعكس التذبذب الحاد حالة من تفاوت المعلومات للمتداولين يجب فتح ملفات للتحقيق حول حقيقتها.
ليس بالضرورة أن تقود التوقعات والتقييمات لأسعار الأسهم إلى القيمة العادلة بغض النظر عن العوامل الأخرى، ففي خلال الثمانينيات الميلادية وقبيل انهيار الإثنين الأسود في أمريكا بتاريخ 19/10/1987، وصلت أسعار الأسهم الأمريكية إلى مستويات عالية انعكست بارتفاع مكررات الربحية وتضخم الأسعار وكان أحد أسباب الفقاعة والانهيار التي دونت في الأدبيات المالية أن دخول مستثمرين جدد كصناديق التقاعد وغيرها إلى سوق الأسهم خلق طلباً فاق العرض وأدى إلى تضخم الأسعار ثم انهيارها.
وكما أن أحد أسباب انهيار الإثنين الأسود في أمريكا هو دخول المستثمرين الجدد المدججين بالسيولة إلى السوق ورفع مستوى الطلب على العرض، كان لدخول عدد كبير من المستثمرين السعوديين إلى سوق الأسهم خلال الأعوام الأربعة الفائتة من صناديق استثمار وأفراد مدفوعين بتوقعات النمو الاقتصادي وحتمية انعكاسه على سوق الأسهم، تأثير في تضخم الأسعار لمستويات غير مستدامة وغير واقعية، فبين عام 2003 و2006، ارتفع عدد صناديق الاستثمار الفاعلة في سوق الأسهم بجانب عدد المحافظ الاستثمارية العائدة للأفراد التي يقدر ارتفاعها البعض من أقل من نصف مليون إلى أكثر من ثلاثة ملايين محفظة في السنوات الثلاث السابقة لانهيار شباط (فبراير) 2006.
ومع ارتفاع عدد المتداولين والداخلين إلى السوق عدداً وسيولة، لم تتم مقابلة هذا الطلب بعرض كاف لامتصاص السيولة في حينها، وبعدم التركيز على رفع مستويات الثقافة الاستثمارية - إلا أخيرا. ولعدم توفير العرض المناسب من الشركات المطروحة للاكتتاب الأولي حينئذ، إضافة إلى تأخر الموافقة على رفع رأس المال لبعض الشركات ذات الأداء الجيد، أخذت أسعار الأسهم بالتوجه إلى مستويات تنبئ بانهيار واضح حذر منه البعض، وشجع على استمراره البعض، أما البقية فآثرت الصمت لكيلا يطولها غضب المساهمين، وتجهم جمهور المستمعين.
وليست ندرة العرض وارتفاع الطلب السبب الرئيس للفقاعة والانهيار الذي حدث، ولكنها دون ريب أحد أهم الأسباب، فما حدث في العامين الماضيين من التوجه نحو طرح مزيد من الشركات للاكتتاب العام على الرغم من محدودية رؤوس أموال معظمها هو من الأمور الحميدة لحالة السوق في المديين المتوسط والبعيد، وهي سياسة من هيئة سوق المال لإضافة مزيد من العمق والتوسع للسوق المالية بحيث تكون سوقا ذات سيولة مرتفعة وخيارات متنوعة للمستثمر ولطالب التمويل من قطاع الأعمال، ولو أن هذه السياسة كانت يجب أن تكون قيد التنفيذ عام 2003م أو العام الذي يليه كخطة للتجاوب مع احتياجات الاقتصاد الوطني.
وقد يجادل أحدهم بأن طرح الشركات الجديدة في السوق والاكتتابات الأولية هو من الأمور التي تضر بمستويات السوق وأدائها، منطلقاً من قناعة هدفها النهائي رفع المؤشر إلى الأعلى بأقصى سرعة ممكنة من خلال تحجيم العرض وإعطاء مساحة للطلب الكلي ليرفع السوق، إلا أن هذا القول بعيد عن الحرص على السوق المالية وأدائها ورسالتها، لكون الهدف من السوق المالية عموماً توفير التمويل اللازم للشركات وتوفير فرص الاستثمار للمساهمين والنمو الطبيعي المنطقي، فإن اقتنع المساهم بشركة معينة، فله الخيار في الاكتتاب أو العدول، وهي في النهاية عملية استثمارية بحتة ليس بها ما يخل بالنظام المالي والاقتصادي.
كما أن عمليات الطرح الأولي في الفترة الحالية أمر ملح للوصول إلى سوق مالية جاذبة للاستثمارات ومحركة للقطاع الخاص ومشاركة في الاقتصاد الوطني، خصوصاً أن تبريرات تأثيرها السلبي في المؤشر ليس لها أساس علمي أو حتى تطبيقي، فطرح أولي بقيمة اسمية تبلغ عشرة ريالات وبحد أدنى يبلغ 50 سهماً لا يستدعي تسييل محفظة لعموم المساهمين، ولا يستدعي الانتظار لوقت صرف مرتبات موظفي القطاع العام! خصوصاً أن الاكتتاب يعد استثماراً وليس استهلاكاً، والأفراد تبعاً للنظريات الاقتصادية يقسمون دخلهم بين الاستهلاك، الادخار، والمضاربة.
إذن، فالمبلغ المخصص للاستثمار محدد سلفاً، ومخصص للاستثمار متى ما كان موعد الاستثمار في الاكتتاب الأولي. وأخيراً، بغض النظر عن رقم المؤشر العام للسوق، يجب مواصلة تعميق وتوسيع السوق بمزيد من الاكتتابات الأولية بتزامن مع جدولة عملية التخصيص التي خفت صوتها لتوفير أساسات تبنى عليها توقعات مختلف المحللين وشركات الوساطة والبنوك الاستثمارية أسبوعياً لتدعيم الثقافة المالية وآليات اتخاذ القرار من قبل المستثمرين.