سجلت أسواق الأسهم والسلع أرباحاً قويةً على مدار الشهر الماضي، وذلك بسبب التوقعات بقيام بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي ببدء جولة أخرى من التخفيف الكمي أو ما يُعرف بعبارة "التيسير الكمي 2" حسبما يطلق عليه السوق. غير أن هنالك موضوعاً آخر على الساحة، ألا وهو التوترات المستمرة داخل أسواق العملات، حيث خسر الدولار ما مقداره عشرة بالمائة في مقابل اليورو، ويتم تداوله الآن مقابل الين عند أدنى مستوى له على مدار 15 عاماً.
وقد انخفض مؤشر مكتب أبحاث السلع "رويترز جيفيريز سي.آر.بي." في الشهر الماضي بمقدار 4.8 بالمائة، وذلك في ظل استمرار حالة التقلُّب عند مستويات مرتفعة - كما هو واضح بالأسفل - مع وجود فروق كبيرة في الأداء.
وجدير بالذكر أن مدراء صناديق الأموال قد عادوا مؤخرا إلى التداول في السلع. ونجد أن المُضَاربَات المُركَّبَة طويلة الأمد تسجل مستويات قياسية في بورصات الولايات المتحدة، خاصة وأنها مدفوعة بالمراكز المتنامية في سلع الحبوب والمعادن. ويظهر لنا صافي مركز الطاقة سلبياً نتيجة لوجود مركز كبير للبيع على المكشوف في سلعة الغاز الطبيعي.
يواصل الذهب تصدره لكافة عناوين الأخبار، وذلك في ظل اعتبار الجميع - بدءا من البنوك المركزية وحتى المستثمرين الأفراد – كمشترين مهتمين بسلعة الذهب. ومع ذلك، فقد كانت الفضة هي الأفضل أداءً حيث تفوقت في الأداء على الذهب بمقدار 14 بالمائة خلال الارتفاع المشهود مؤخراً. وفي ظل تسميتها باسم "ذهب الفقراء"، فإن سلعة الفضة تميل إلى التفوق في الأداء خلال فترات التحسن الممتدة كتلك الفترة التي شهدناها مؤخرا. وعلى ذلك الأساس، فمن المحتمل أيضاً لسلعة الفضة أن تحقق عمليات بيع قوية حالما تبدأ عملية جني الأرباح، الأمر الذي شهدناه مع نهاية هذا الأسبوع.
ويتفق معظم الباحثين والمُعلِّقين على أن أسعار المعادن سوف تستمر في الارتفاع مع حلول العام 2011، وذلك حيث أن أساسيات التحرك الحالي سوف تظل موجودة لفترة طويلة من الزمن. وتجدر الإشارة إلى أن المديونية السيادية ومعها كم استثنائي من المحفزات سوف تضمن بقاء أسعار الفائدة الرسمية منخفضة لفترة طويلة، لتتلاشى بذلك تكلفة الفرصة البديلة الخاصة باختزان المعادن. ومن ناحية ثانية، يظل الخوف من ضعف الدولار في الشهور القادمة بمثابة المحرك الرئيسي لهذه المعطيات.
وسوف يتفاجأ المستثمرون المتعاملون باليورو وبالعملات الأخرى القوية حاليا، مثل: الفرنك السويسري والدولار الأسترالي، عند اكتشافهم بأن قيمة ذهبهم قد تراجعت بالفعل خلال شهر سبتمبر، وذلك على الرغم من كل العناوين الإخبارية المتفائلة بخصوص سلعة الذهب. وهذا الأمر هو إشارة واضحة إلى أنه بدون الضعف المستمر للدولار، فإن الارتفاع المشهود في سلعة الذهب قد يتعرض للمتاعب ما لم تظهر عوامل أخرى، مثل: الخوف من التضخم أو الركود المزدوج.
ومن الناحية الفنية، فإن الاتجاه الصاعد راسخ بقوة، إلا أن عجز الدولار عن تحقيق المزيد من التقدم في يوم الخميس هو أمر قد أفضى إلى حدوث تراجع سعري حاد بمقدار 40 دولار. وهذا الأمر يشير إلى أن السوق متخم حاليا بعمليات الشراء وكذلك إلى أن هناك حاجة الآن إلى تحقيق بعض الدعم قبل محاولة الصعود التالية. ولا ننسى أن نُذكِّر بأن الهدف المنشود لـ "ساكسو بنك" والبالغ 1.350 قد تم تحقيقه بالفعل، ويبدو من المرجح حاليا أنه سيتم تجاوزه انطلاقا من قوة الارتفاع الحالي. وعلى صعيد فني، فإن الاتجاه الصاعد المرتفع والمشهود منذ شهر يوليو هو أمر يقدم الدعم عند مستوى 1.290 وذلك قبل المستوى العالي السابق المسجل عند 1.265. ومن شأن التحرك عبر المستوى المرتفع المشهود مؤخرا عند 1.365 أن يستحضر ويسجل مستوى 1.400.
ونجد أن سعر النفط الخام قد ارتفع بقوة مؤخرا مستمدا الدعم من ضعف الدولار وكذلك من المؤشرات التي تفيد بداية انخفاض احتياطيات الولايات المتحدة ببطء، كل ذلك في حين ساعدت بيانات الاقتصاد الصيني القوي هي الأخرى في هذا الارتفاع. وقد قارب السعر لشهر نوفمبر القادم حوالي 85 دولار وذلك قبل عملية جني الأرباح على مراكز البيع على المكشوف للدولار وبشكل يسبق تراجع السعر نحو 80 دولار نتيجة لتقرير الوظائف الأميركي.
وسوف تستمر العوامل الثلاثة المذكورة أعلاه لتكون المحركات الرئيسية لهذه التحركات في الأسعار على مدار الأشهر القادمة. وفي حين أننا نجد من غير المحتمل قريبا حدوث اختراق لأعلى مستوى مشهود في هذا العام عند 87.15، إلا أن علينا قبول فكرة أن الاستمرار المحتمل لموضوع ضعف الدولار هو أمر من شأنه أن يُطلِق هذا الحدث.
وقد ازدادت الآن المُضَاربَات طويلة الأمد لأكثر من ثلاثة أضعاف وذلك منذ المستويات المنخفضة المشهودة في شهر أغسطس، مما يشير إلى عودة مدراء صناديق الأموال إلى السوق وإن كانت عودتهم ليست بنفس الحجم الذي تم تسجيله عندما اخترقنا مستوى 85 في أبريل الماضي. وهذا يعكس سلوك التداول خلال العام 2010 حيث كان التداول النطاقي هو نوع التداول المفضل. ومن شأن التراجع أدنى من 80 أن يستحضر النطاق طويل الأمد الخاص بمنتصف هذا العام والمسجل عند 78.
لا يزال مُشغِّلو ناقلات النفط الخام العملاقة يشقون طريقهم بعناء، وذلك حيث أن حجم المعروض من الناقلات حاليا يتجاوز حجم الطلب بمقدار اثنين إلى واحد تقريبا. وهذا الأمر قد جعل تكلفة استئجار ناقلات النفط الخام العملاقة على المسار القياسي من المملكة العربية السعودية إلى اليابان تبلغ 2.500 دولار أميركي لليوم الواحد بعد أن كانت قد وصلت إلى ذروتها لهذا العام عند 70.000 دولار أميركي في شهر يونيو الماضي، وتعتبر تكلفة الاستئجار هذه أدنى تماما من تكلفة التشغيل.
وتستمر معاناة أسعار الغاز الطبيعي، حيث يظل قابعا للعام الثاني على التوالي عند أسفل جدول الأداء في ظل مواجهته لصعوبات في تحقيق أي تحرك برغم من التحسن والارتفاع المستمر في المنتجات الأخرى. وقد مرت نهاية موسم الأعاصير دون وقوع أية كوارث كبرى، أضف إلى ذلك وجود معروض وفير من الغاز الطبيعي وتوقعات بطقس أكثر اعتدالا في الفترة المقبلة، فنجد أن كل هذه الأمور قد دفعت بالأسعار إلى أدنى مستوى لها لهذا العام عند 3.60 دولار لكل وحدة حرارية بريطانية.
وقد أثارت الانخفاضات الأخيرة في الأسعار اهتماماً متجدداً بشراء الغاز الطبيعي من خلال صناديق تداول السلع. غير أن المشكلة التي لم يتم حلها جيدا هي التأثير السلبي لمنحنى السعر المستقبلي على أداء هذه الصناديق. وتنزع صناديق تداول السلع إلى تتبع مسار عقود الغاز الطبيعي للشهر المقبل، وحاليا فإن الفرق في السعر بين عقود شهر نوفمبر وعقود شهر فبراير "الذي هو موسم الذروة" يبلغ 18 بالمائة. وهذا الأمر يتيح لمستثمري صناديق تداول السلع بعض الارتفاع لكي يحققوا عائداً إيجابياً على استثماراتهم.
وقد ارتفع السكر بقوة هذا الأسبوع عقب جولة أخيرة من جنى الأرباح حيث بدأ المعروض في التدفق من البرازيل مرة أخرى. وقد صعد ارتفاع السعر بالسكر بمقدار 23 بالمائة لهذا العام، ويأتي ذلك وسط مخاوف بشأن فرض قيود محتملة على معروض السكر من الهند، وهي ثاني أكبر منتج للسكر في العالم وكذلك بشأن انخفاض إنتاج السكر القادم من أوروبا.
هذا وقد بدأت أسعار القمح - والذرة بخاصة - في الصعود مرة أخرى عقب عمليات بيع حادة مؤخرا رجعت بسعر الذرة إلى الوراء لاختبار مستوى الدعم الهام عند 4.50 للبوشل. وقد أعلنت أوكرانيا - التي تضررت هي الأخرى بموجة الجفاف المشهودة في صيف هذا العام - أنها ربما تفرض قيوداً على تصدير القمح، الشعير والذرة حتى نهاية هذا العام. وقد كانت دائرة التركيز الرئيسية لهذا الأسبوع منصبة على تقرير الإنتاج الصادر يوم الجمعة من قِبَل وزارة الزراعة الأميركية، والذي أضاف المزيد من الدعم للأسعار حيث جاءت فيه أرقام الإنتاج والتوقعات الخاصة بمحاصيل نهاية العام أقل من معدلاتها بسبب إضرار الظروف الجوية غير المواتية بإنتاج المحاصيل.
وتستمر أفضلية الذرة على القمح خلال الأسابيع القادمة من حيث سيناريو العرض والطلب. وقد جاءت محاصيل القمح الأميركية لشهر سبتمبر في أعلى مستوى لها على مدار 23 عام، لتريح بذلك كفة التوازن العالمي. وشأنه في ذلك شأن السلع الأخرى المستندة إلى الدولار، فإن مستجدات سعر العملة سوف تكون عاملا هاما حيث أن ضعف الدولار سوف يساعد على ارتفاع الأسعار نتيجة للتنافسية المتزايدة داخل السوق العالمية.