لا تزال الأسواق العالمية تعاني حالة من الارتباك ناتجة عن انعدام اليقين بشأن الاتجاه المستقبلي للاقتصاديات الكبرى. ونجد أن الاقتصاد الكلي يتحرر، ذلك كونه القوة الدافعة على الأمد القصير في ظل عدم رغبة الكثيرين في الدخول في عمليات تداول ذات أفق طويل الأمد، في حين يستمر الشعور العام في التبدُّل بين النشاط والفتور.
ونجد أن مؤشر مكتب أبحاث السلع "رويترز جيفيريز سي.آر.بي"، والذي ظل ثابتا لا يتغير على مدار الشهر الماضي وبانخفاض قدره 3.5 بالمائة لهذا العام، يُخفِي بعض التغيرات الكبرى في بواطن الأمور وذلك في ظل وجود حالة تقلُّب ببعض الأسواق عند المستويات المرتفعة. ونجد أن أفضل السلع أداءً، كانت: السكر، الذرة والقهوة، في حين نجد أن سلع الكاكاو، الغاز الطبيعي والنفط الخام كانت تجذب المؤشر في الاتجاه المعاكس.
ونجد أن المستثمرين، الذين ثَبَتُوا على ولائهم لسلعة الذهب خلال فترة هبوط السعر، قد استفادوا بارتفاع قدره تسعة بالمائة منذ المستويات المنخفضة المتحققة في شهر يوليو. وقد سجلنا هذا الأسبوع الرقم القديم البالغ 1,265 دولار أميركي الذي يرجع تاريخه إلى شهر يونيو، وإن كنا قد عجزنا عن اختراقه، حيث بدأت عمليات جني الأرباح التي تأخرت لفترة طويلة. وخلال هذا الارتفاع الأخير، ظهر أطول مسار للأرباح طوال 40 عام تقريبا، ولا يزال في طريقه إلى تحقيق عاشر زيادة سنوية.
وقد أعلن صندوق النقد الدولي يوم الجمعة عن قيام بنغلاديش بشراء 10 أطنان من الذهب بسعر 1,259 لتجعل بذلك مشتريات بنكها المركزي من الذهب تبلغ في مجملها 222 طن وذلك منذ أن أُعلِن قبل عام مضى عن برنامج مبيعات الذهب البالغ قدره 403 مليون طن. كذلك فقد تم بيع 88 طن إضافي إلى جهات أخرى، ليصبح المتبقي 93 طن فقط، علما بأن عائد تلك المبيعات يستخدم لتمويل الدول ذات الدخول المنخفضة.
ونجد أن المَحافِظ الاستثمارية في صناديق تداول الذهب قد عادت إلى المستويات العالية المسجلة، علما بأن إجمالي حجم المَحافِظ يتجاوز 2,000 طن. وبالإمكان اكتشاف الدافع وراء ذلك الارتفاع الأخير في النظرة المستقبلية الضبابية للاقتصاد، البيئة الخاصة بأسعار الفائدة العالمية المنخفضة جدا، وكذلك الارتفاع الأخير في سعر الفضة والذي بلغ 20 دولار للأونصة، كل ذلك على خلفية حجم الطلب الصناعي النشط.
ولا زال الاتجاه يشير إلى مستوى أعلى، إلا أنه قد يحتاج على الأرجح إلى المزيد من الأنباء السيئة لتصعد به إلى منطقة جديدة أعلى. ولا يزال الخطر الأكبر في الفترة القريبة القادمة هو المخاطرة بحدوث عمليات جني أرباح ضخمة من قِبَل مستثمري صناديق التداول، غير أنه انطلاقا من التوقعات الحالية للمستقبل فإن تلك المخاطرة تبدو محدودة. علما بأن أي تحرك أعلى من 1,265 سوف يستهدف في البداية 1,280، بينما يتواجد مستوى الدعم عند 1,218.ونجد أن النفط الخام مستمر في التداول ضمن نطاق واسع قدره 11 دولار، متموضعًا بذلك عند نقطة تقع تماما أسفل متوسط العام 2010 الذي يبلغ 77.50 وذلك بمقدار بضع دولارات. وقد أظهرت بيانات المسح الأسبوعي لمخزون السلع أن مخزونات البترول لدى الولايات المتحدة قد ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ العام 1990، الأمر الذي يفرض بعض الضغط على عقود الشهر القادم. علما بأن منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" قد أبقت على توقعاتها الخاصة بالنمو في حجم الطلب على النفط ثابتة لا تتغير بالنسبة لكلا العامين 2010 و 2011 وذلك عند مستوى مليون برميل يوميا.
ونجد أن منحنى التوقعات المستقبلية "كونتانجو" قد أصبح أشد ميلاً مؤخرا وذلك في ظل وقوع الشهر الحالي تحت ضغط أعلى نسبيا نتيجة للتراكم المستمر في حجم المعروض. علما بأن بعض هذا المعروض قد تحصَّل من النفط الخام المنقول على الشواطئ من المخازن العائمة. وقد كان لهذا الأمر تأثيرا عكسيا على السعر الذي يمكن لشركات النقل أن تتقاضاه نظير شحن النفط الخام باستخدام المسار القياسي الممتد من المملكة العربية السعودية إلى اليابان، ليصبح بذلك الآن فقط 8,500 دولار أميركي لليوم الواحد، والذي يعتبر عاشر أدنى مستوي لهذا الشهر، وذلك مقارنة بمبلغ 20,000 دولار أميركي منذ شهر مضى.
ويمكن للاتساع المذكور أعلاه في منحنى الكونتانجو أن يساعد في واقع الأمر على محاصرة أصحاب ناقلات النفط الخام العملاقة، وذلك حيث أن اجتماع الأسعار المنخفضة للناقلات مع الأسعار المستقبلية العالية للنفط الخام هو أمر من شأنه أن يُطلِق دورة أخرى من عمليات الشراء والتخزين وذلك في ظل استخدام الناقلات العملاقة لتخزين النفط الخام قبالة الشواطئ.
وعلى صعيد فني، يبدو أن النطاق الحالي عازم على السيطرة في ظل وجود بعض قوى الصعود في الوقت الحالي وذلك بعد أن تم نبذ المستويات المنخفضة من جديد مؤخرا. وبالإمكان رؤية مستوى الدعم عند 70.65 بينما يمكن إيجاد مستوى المقاومة عند 77.50 تماما قبل 80.00.
ونجد أن سعر الذرة للشهر القادم مستمر في التعافي نسبيا مقارنة مع القمح الذي قفز إلى أعلى مستوى له منذ شهر أكتوبر 2008، وذلك بينما يتحول الانتباه باتجاه أحوال الزراعة في الولايات المتحدة في ظل قيام موجة الحر الأخيرة التي ضربت منطقة الغرب الأوسط برفع المخاطرة المنطوية على الإضرار المحتمل بمحصول الذرة.
وسوف تقوم وزارة الزراعة الأميركية يوم الجمعة بتحديث توقعاتها بشأن المحاصيل والإنتاج بالنسبة للذرة والغلال الأخرى، وذلك في الوقت الذي نجد فيه أن هناك حالة قلق من أن تكون موجة الحر قد أضرت بالمحصول بقدر أكبر مما سوف تتنبأ به الحكومة.
وفي ذات الوقت نجد أن روسيا، التي لا تزال تبحث عن حلول في ظل أسوأ فترة جفاف على مدار نصف قرن، قد أعلنت بأنها قد تلجأ إلى استخدام مخزوناتها الاحتياطية في حال استمرت الأسعار في الزيادة مع مجيء العام 2011. ومن المتوقع الآن لإنتاج القمح للعام 2010 أن يكون بين 60 و 65 مليون طن، وذلك مقارنة مع التوقعات السابقة لفترة الجفاف والتي بلغت 97 مليون طن.
علماً بأن حظر التصدير الساري حاليا وحتى نهاية العام 2011 يعتمد بشكل أساسي على حصيلة الإنتاج الشتوي للقمح الذي تتم زراعته حاليا. وقد أشارت وزارة الزراعة الروسية إلى أن هناك حاجة إلى إنتاج ما بين 85 و 90 مليون طن في العام 2011 لتأمين قدرٍ كافٍ من معروض القمح للبلاد.
وسوف تعتمد تحركات السعر للفترة القريبة القادمة بدرجة كبيرة على نتيجة التقرير الأميركي المذكور أعلاه حول آخر المستجدات في المحاصيل.
ونجد أن السكر قد كان السلعة الأعلى في الشهر الماضي محققا نسبة ارتفاع مذهلة قدرها 26 بالمائة، حيث أن البرازيل، وهي أكبر مُنتِج للسكر في العالم، قد عانت من اختناقات متزايدة في موانئها الكبرى نتيجة لظروف الطقس غير المواتية. فنجد أن هطول الأمطار قد تسبب في تأخير تحميل شحنات السكر، وذلك في ظل وجود أكثر من 100 سفينة الآن بانتظار أن يتم تحميلها، الأمر الذي أحدث ندرة لمعروض السكر بالسوق حيث لا تتوافر سلعة السكر سوى في بلدان قليلة جدا غير البرازيل. علما بأن الرطوبة تفسد سلعة السكر ومن ثم تجعل تحميل شحناته أمرا صعبا للغاية في حين تستمر الأحوال الجوية المطيرة.
ونجد أن الارتفاع الأخير في سعر النحاس قد توقف هذا الأسبوع بالرغم من ازدياد واردات الصين منه بمقدار 11 بالمائة، وتلك هي ثاني زيادة شهرية لهذه الواردات. ولا تزال تتردد مخاوف بشأن حجم الطلب المستقبلي على سلعة النحاس من قِبَل أكبر دولتين مستهلكين في العالم له، وذلك بينما يتبدى واضحا تباطؤ الطلب من جانب الولايات المتحدة في حين نجد أن المخاوف بشأن المزيد من ندرة النحاس في الصين تُبقِي على السوق متسائلا حول مصير الطلب على سلعة النحاس مستقبلا. علما بأن الانخفاض في مخزون النحاس بمستودعات بورصة لندن للمعادن وكذلك في شنغهاي قد كان الدافع الرئيسي وراء الارتفاع خلال الشهرين الماضيين.
ونجد أن حجم محصول كاكاو ساحل العاج قد صعد بغتة وأربك السوق. وكون ساحل العاج هو أكبر مُنتِج لحبوب الكاكاو، نجد أن الأنباء حول احتمال وصول إنتاج الكاكاو للعامين 2010-2011 إلى 1.3 مليون طن قد كانت السبب الرئيسي وراء انخفاض أسعاره بمقدار 11 بالمائة في الشهر المنصرم.
وأخيرا، فإن مزارعي البرتقال في فلوريدا سوف يتابعون عن كثب أنباء العاصفة الاستوائية "إيغور" التي تقترب منهم، والتي إن تحولت إلى إعصار من شأنها أن تتلف بساتين الموالح في ولاية فلوريدا المشرقة. علما بأن أسعار الموالح للفترات المستقبلية قد ارتفعت لأكبر مستوى لها في ثمانية أشهر، وذلك على خلفية هذه المخاطرة.