ما سر جفاف السيولة ؟!

04/09/2010 2
محمد سليمان يوسف

شهدت أسواق المال في الإمارات خلال الأشهر الستة الأخيرة، انخفاضا حادا في قيم وأحجام التداول ، والمتابع المدقق لحركة السيولة في هذه الأسواق، يمكنه مشاهدة الهبوط المتواصل لقيمة التداولات في سوق دبي المالي من مستوى خمسة عشر مليار درهم في شهر آذار من العام الجاري إلى مستوى مليار ونصف المليار درهم في شهر آب الماضي ،  وهو انخفاض حاد جدا لم يحدث بهذه الوتيرة في تاريخ السوق على الإطلاق ، فما سبب هذا الانكماش الهائل للسيولة ؟!.

من المعروف أن راسمي السياسة المالية والنقدية للاقتصاد الوطني  في الإمارات – وزارة المالية والمصرف المركزي – هما من يتحكم بضبط السيولة والإنفاق العام وهما من يضبط سوق الائتمان تبعا للمصلحة الوطنية العليا للبلاد . وفي هذا السياق تشير الإحصائيات الصادرة عن المصرف المركزي والمنشورة في صحيفة الرؤية الاقتصادية قبل أيام  إلى ارتفاع شهادات الإيداع من  66.1 مليار درهم في نهاية يناير 2010 لتصل إلى 74 مليار درهم  نهاية يوليو الماضي ما يعني ارتفاعها بمقدار 7.9 مليار درهم أي ما نسبته 11.9 % ، وهذا يؤكد وجود توجه لدى المصرف المركزي لضبط السيولة الفائضة الموجودة لدى البنوك واقتناع البنوك بهذا الاستثمار ذي العوائد المضمونة تجنبا للمخاطر .   السياسات المتشددة للمصرف المركزي لم تقف عند حدود ضبط السيولة عبر شهادات الإيداع  بل امتدت لتشمل سوق الائتمان أيضا ،حيث أظهرت البيانات المالية المعلنة من قبل البنوك الإماراتية المدرجة في سوقي دبي المالي  وأبوظبي للأوراق المالية،ارتفاع الودائع بنسبة 6.6 % لتصل إلى حوالي 837 مليار درهم بنهاية يونيو الماضي ،مقارنة بودائع بلغت 785 مليار درهم خلال النصف الأول من 2009 . بالمقابل سجلت محفظة القروض لهذه البنوك خلال نفس الفترة ، ارتفاعا طفيفا ، حيث بلغ إجمالي القروض 871.6 مليار درهم مقارنة 859.2 مليار درهم خلال النصف الأول من العام الماضي، أي بارتفاع بسيط بالكاد وصل إلى 1.4 % . ما يعني إتباع البنوك سياسات إقراض متشددة جدا مقارنة بما كان يحدث خلال الفترة من 2005-2008 بالتزامن مع توجه الأفراد نحو الودائع  نظرا لانخفاض مخاطر الاستثمار فيها.

لا شك أن أسباب انحسار السيولة وانكماشها في أسواق المال المحلية لا تقتصر على ما ذكر أعلاه، وإنما يعود للأفراد المتاجرين- مستثمرين أو مضاربين -  في هذه الأسواق الدور الأكبر في دفع السيولة أو منعها ويبدو أن الكثير منهم يتريث حاليا فالمستثمر الأجنبي ينتظر أن يهدأ القلق في الأسواق العالمية، ويفضل أن يرى نتائج إيجابية لحل مشكلة ديون مجموعة دبي العالمية ،وحركة معقولة لقطاع العقار  قبل أن يقدم مرة أخرى على احتلال مراكز استثمارية ، والمستثمر المحلي – حكومي أو فردي -  فضل البقاء في مراكزه الحالية حتى لو كانت خاسرة بانتظار تحول جديد في اتجاه السوق ، في المقابل لجأت نسبة من المستثمرين إلى بيع أسهمها وسحب أموالها لأسباب اضطرارية تتعلق بتغطية نفقات ملحة أو لتوقعات مستقبلية تتطلب الاحتفاظ بالسيولة للقادم من الأيام الصعبة حسب تصورهم .

  حالة القلق السائدة لدى الأفراد إما خوفا من ركود عالمي أو محلي طويل الأمد ، أو بسبب الخشية من تقلص مواردهم المالية ،   دفع بالكثير منهم إلى تخفيض الإنفاق  الاستهلاكي والاحتفاظ بالسيولة مما خلق ظاهرة التمسك بالسيولة من جميع الأطراف- الأفراد ، الشركات ، البنوك -  فمالك السيولة اليوم هو "الملك" وهو القادر على  اقتناص الفرص، ومع هذا التمسك القوي بالسيولة من قبل الجميع  تزايدت ظاهرة جفاف السيولة في أسواق المال المحلية ، والتي من المتوقع أن تستمر لبعض الوقت قبل أن تعود إلى مجاريها السابقة ، والمؤكد أن هذه العودة ستكون مترافقة مع انقشاع الغمامة السوداء من سماء الاقتصاد العالمي  ،وظهور بوادر انفراج وانتهاء لمفاعيل وتداعيات الأزمة المالية العالمية.