أزمة اليوم فيها كثير من الشبه مع أزمة فقاعة بحر الجنوب التي سبق أن تناولناها في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة، حيث تم إنشاء شركة باسم بحر الجنوب استغلت حصولها على احتكار لحقوق التجارة بين بريطانيا وأمريكا الجنوبية وأخذت في الترويج لوهم آفاق الربح والفرص التي ستتيحها التجارة مع هذا العالم الجديد، فحدث تهافت شديد على أسهم الشركة أدى إلى واحدة من أعنف الأزمات المالية التي مرت بها بريطانيا.
عادة ما يشار إلى فقاعة الدوت كوم على أنها تمثل الفترة من 1995 إلى آذار (مارس) 2000 حيث بلغ مؤشر ناسداك NASDAQ قمته متجاوزا حد 5100 نقطة، لينهار المؤشر بعد ذلك محدثا أزمة عنيفة في الولايات المتحدة امتدت آثارها لبعض الدول الأخرى في العالم. ولكن لماذا مؤشر ناسداك بالذات؟ سوق ناسداك هو سوق مواز لبورصة نيويورك للأوراق المالية، وقد حل محل سوق الوسطاء في الأوراق المالية Over the Counter ويضم مؤشر السوق شركات التكنولوجيا، ومنها بالطبع شركات الإنترنت، والتي كان يطلق عليها شركات الدوت كوم dot.com، أي الشركات التي تبيع السلع عبر الإنترنت، أو التي تعرض مواد عبر الإنترنت، أو التي تقدم خدمات الاتصال بالإنترنت .. إلخ، ولذلك فإن آثار هذه الأزمة تظهر على هذا المؤشر بصفة أساسية.
سبق أن لاحظنا أنه قبل بدء أي فقاعة لا بد من وجود فكرة استثمارية يتم الاستناد إليها في ترويج الخطة الاستثمارية التي تدور حولها، ومع التوسع الكبير في شبكة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتطوير آليات فعالة للتجارة الإلكترونية، بدأت تنتشر في وسائل الإعلام في مجال الأعمال عبارة جديدة هي ''الاقتصاد الجديد'' New Economy، حيث يلعب الإنترنت الدور الأساسي في تسيير الأعمال وتسهيل التجارة وعمليات التسويق وحركات المخزون .. إلخ، وما إن توافر الحد الأدنى من العزم اللازم لبدء نشاط المضاربة، حتى عادت ''ريمة لعادتها القديمة'' كما يقول المثل الشعبي، وألغى المستثمرون عقولهم تماما ووضعوها في عالم آخر، وسلموا أنفسهم للوهم الكبير، وهم الثروة القادمة مع هذا الاقتصاد الجديد، والذي سيفتح آفاقا هائلة للمعاملات والقيمة المضافة في الاقتصاد، وبالطبع تحقيق أرباح خيالية في القطاعات المختلفة في الاقتصاد الجديد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وعلى رأس قائمة الشركات الموجودة في الاقتصاد بالطبع، شركات الإنترنت، التي ستقود أوركسترا الاقتصاد الجديد، ومن ثم فإن كل ما هو مطلوب من الجميع هو شراء الأسهم والانتظار حتى يرى المستثمر نفسه يتحول إلى مليونير أو ملياردير.
بدأ وهم تحقيق الثروة يلعب بعقول عدد كبير من المستثمرين، لدرجة أن الشركات الجديدة في القطاع لم تجد مصاعب تذكر في بيع إصداراتها من الأسهم، على الرغم من ضعف خطط الأعمال التي تم تقديمها لعدد كبير جدا من الشركات، بل لقد كان يكفي إضافة حرف e إلى اسم الشركة، أو كلمة com إلى الاسم التجاري لها، لتنفد إصدارات الأسهم بسرعة قياسية. باختصار، مثلت عبارة الاقتصاد الجديد الفكرة الاستثمارية التي قامت عليها هذه الفقاعة، حيث أخذ الجميع يتحدث عن هذا الاقتصاد الجديد والآفاق الواسعة من الإيرادات والعوائد التي سيفتحها. ودخل محللو الأسهم على الخط للترويج لفكرة الوهم، الذي راح ضحيته الملايين ممن تهافتوا على شراء الأسهم الخاصة بشركات الدوت كوم، والتي تزايدت أعدادها بسرعة قياسية. عندما انفجرت الفقاعة انهار عدد كبير من الشركات التي تنتمي إلى قطاع الدوت كوم، وأخذت معدلات تكوين الشركات الجديدة في التراجع الكبير، نظرا لصعوبة تسويق إصداراتها من الأسهم مقارنة بالأوضاع قبل الانهيار.
يبالغ عادة محللو الأسهم في الفكرة الاستثمارية التي يطرحونها إلى درجة لي الحقائق، بهدف واحد هو تضخيم الفكرة ووضع هالة ضخمة حولها، لجذب المستثمرين إليها بأي ثمن. على سبيل المثال، على مدى الأشهر الثلاثة الماضية كانت تأتيني رسائل من أحد محللي الأسهم تتناول فكرة الاستثمار في أسهم شركات استخراج الليثيوم في العالم. فكرة الاستثمار الأساسية التي يركز عليها المحلل أن الليثيوم كعنصر، هو مستقبل الطاقة الواعد على سطح الكرة الأرضية، بل وأنه سيقضي على النفط كمصدر للطاقة في المستقبل، وأنه بما أن سيارات المستقبل ستكون سيارات كهربائية أساسا، فإن صناعة بطاريات السيارات ستكون من الصناعات الواعدة، وأن الاستثمار في الليثيوم سيكون مربحا جدا، ثم يسوق الأمثلة على قائمة أهم المستثمرين في مجال الليثيوم في العالم، وخطط الحكومة الأمريكية للتوسع في التنقيب عنه وضمان توافر حد أدنى من المخزون الاستراتيجي لها منه، وخطط الشركات الأسترالية للتنقيب عن الليثيوم في الصين، وحجم الطاقة التي سيتم توليدها منه .. إلخ، تحليل مهني بامتياز، ولكنه مليء بالمبالغات حول عنصر نادر أصلا، غير أنه كاف لضمان وقوع الملايين في المصيدة.
فقاعة الدوت كوم هي إذن نتاج النمو في تكنولوجيا المعلومات والاعتقاد السائد بأن الشركات المقدمة للإنترنت ولسلسلة السلع والخدمات المرتبطة به هي التي ستمثل نموذج الأعمال الأمثل في الاقتصاد الجديد. كان هناك العديد من العوامل التي أسهمت في نفخ فقاعة الدوت كوم قبل انفجارها في آذار (مارس) 2000، وأهم هذه العوامل التالي:
1. الاعتقاد الجازم الذي كان سائدا بين المستثمرين بأن شركات الدوت كوم هي صناعة المستقبل، وأن هذه الشركات ستمثل الأركان الأساسية للاقتصاد الجديد، وأن هذا الاقتصاد الجديد يعد بتحقيق معدلات نمو خيالية ومن ثم عوائد لا حصر لها، وأن الاستثمار في شركات الدوت كوم هو السبيل الوحيد لاقتطاف ثمار العوائد الناجمة عن النمو في هذه الصناعة.
2. سوء عملية تقييم الأسهم، حيث كان أداء أسهم شركات الدوت كوم في مؤشر الناسداك استثنائيا، فقد كانت أسعار أسهم هذه الشركات تنمو نموا سريعا في البورصة حتى دون أن تحقق أرباحا تساند هذا النمو في القيمة الرأسمالية السوقية لها. وينظر المحللون إلى هذا العامل بالذات على أنه يمثل نقطة المستثمرين العمياء في هذه الأزمة، أي معامل مضاعف السعر إلى توزيعات الأرباح P/E ratios، حيث كان يتم تداول أسهم هذه الشركات بأسعار مرتفعة للغاية دون النظر إلى المؤشرات الأساسية، والتي يتم استخدامها من الناحية التقليدية في التحليل، وبما أن هذه الشركات كانت لا تحقق أرباحا تقريبا، فإن مضاعف السعر إلى توزيعات الأرباح كان ذا قيمة لا نهائية، ومثل هذه الحالة تعني من الناحية الفنية أنه يجب ألا يتم الاستثمار في مثل هذا النوع من الأسهم، لأن ذلك ببساطة يعني أن المستثمر، وبجميع المعايير، مقدم على كارثة، ورغم ذلك ازداد إقبال المستثمرين على هذه الأسهم بدعوى الاستثمار في الاقتصاد الجديد والذي سيؤتي ثماره لاحقا في الأجل الطويل. لم يحاول أحد إجراء أي تقدير لهذا البعد الزمني، ربما لأن الأسعار ما زالت ترتفع في سوق الأسهم. وتشير التجربة إلى أنه في مثل هذه الأوضاع فإن الجميع يكون راضيا لأن الحد الأدنى من العزم اللازم لاستمرار المضاربة على الأسهم ما زال متوافرا. عندما أخذ مؤشر ناسداك في الصعود نحو قمته في عام 2000، بدأ المحللون الماليون يروجون لفكرة أن عمليات التقييم في سوق المال لم تعد تستند إلى العناصر الاقتصادية التقليدية مثل نمو العوائد، ومعدل التضخم ومعدل الفائدة.. إلخ، وبدلا من ذلك أخذوا ينظرون إلى عوامل جديدة مثل قيمة الأصول غير المادية (المعنوية) للشركات Intangible assets والعلامة التجارية .. إلخ، على أنها هي التي تحدد الأسعار المرتفعة للأسهم. نسي المحللون أن الإنترنت ربما يغير الطريقة التي تؤدى بها الأعمال، ولكنه لن يؤدي إلى تغيير المعايير الفنية التي يقوم عليها التحليل المالي، وهي أن هناك مؤشرات لا بد أن تراعى وأن تحترم عند اتخاذ القرار بالاستثمار. عندما ننظر إلى المؤشرات التي كشفت عنها الأزمة، سنجد أن الجميع بما فيهم المستثمرون المؤسسيون لم يأخذوا في الحسبان أي أسس للتحليل الفني أو الجوهري عند اتخاذ قرارات الشراء والمضاربة على أسهم شركات الدوت كوم. ففي أوج الأزمة كانت أسهم عدة مئات من الشركات مسعرة بصورة تتجاوز مؤشرات أفضل الشركات التي حققت نموا في الماضي في المتوسط، ومع ذلك فقد كان معدل النمو المطلوب في هذه الشركات هو ببساطة شديدة، وبصورة مثيرة للدهشة، صفر في المائة، ولعدة عقود قادمة. مما لا شك فيه أن هذه المستويات من التقييم لم تمر على العالم منذ أزمة هوس زهرة التيوليب في هولندا أو أزمة بحر الجنوب في بريطانيا.
3. لعبت وسائل الإعلام دورا مهما في تكون الفقاعة، وذلك من خلال التقارير التي كانت تبث يوميا من كل حدب وصوب، والتي تهدف إلى خلق مناخ تفاؤلي حول عمليات الاستثمار في قطاع الدوت كوم. وتشير تجارب العالم مع أزماته إلى أنه ما إن تتم تهيئة المضارب نفسيا، فإنه يكون مستعدا لفعل أي شيء بما في ذلك إغراق نفسه بالديون بحثا وراء وهم الثراء السريع. لقد كانت الموضوعات المرتبطة بشركات الدوت كوم هي الطبق الرئيس لوسائل الإعلام في مجتمع الأعمال في هذا الوقت.
4. دخول مستثمرين ليس لديهم خبرة مجال شراء الأسهم، يحركهم دافع واحد، هو حلم الثروة القادم، ومن الطبيعي ألا يهتم مثل هؤلاء بالأسس السليمة التي يفترض أن يقوم عليها القرار الاستثماري، أو بأهمية تكوين محافظ استثمارية لها القدرة على الاستدامة. انصبت التحليلات في هذه الأزمة بالذات على قضية درجة الرشد التي يتمتع بها المستثمرون، حيث يرى البعض أن الارتفاع في أسعار الأسهم كان يتم بسبب سلوك مستثمرين لا يتصفون بأي درجة من الرشد الاقتصادي، مدفوعين بواسطة أبواق وسائل الإعلام المختلفة التي لعبت دورا مهما في الأزمة، من خلال التقارير الزائفة التي كانت تبثها، والتي كانت تغذي الطلب على هذا النوع من الأسهم. بل إن الكتابات عن الأزمة تميل إلى الاعتقاد أن السوق افتقدت المستثمرين الذين يتسمون بالرشد، والذين يفترض من الناحية النظرية أنهم يلعبون الدور الأساسي في ضبط إيقاع السوق، وتعديل مستويات العائد المعدل بالمخاطرة فيه، ومن ثم التخفيف من عمليات سوء تحديد الأسعار. أكثر من ذلك، فإن الدراسات التي تمت على الأزمة أثبتت أنه حتى مثل هؤلاء المستثمرين الذين يفترض أنهم يتسمون بالرشد، قد أسهموا بالفعل في رفع درجة عدم الاستقرار في السوق. على سبيل المثال أشار بعض الدراسات إلى أن صناديق التحوط كانت تقود فقاعة الدوت كوم، خلال الفترة من 1998/2000، وهو ما يعني أن المستثمرين الذين يفترض أنهم يتسمون بالرشد قد يشاركون في نفخ الفقاعة لفترة من الزمن قبل خروجهم من السوق، ومن ثم يسهمون في رفع درجة عدم استقرار السوق. كما أشارت الكتابات إلى أن هؤلاء المستثمرين الرشيدين قد تمكنوا بالفعل، وبمهارة شديدة، من تحديد توقيت أقصى المستويات التي يمكن أن يبلغها كل سهم على حدة، ثم خرجوا من السوق في التوقيت المناسب قبل انهياره، أي أنهم تمكنوا من الاستفادة من عوائد الفقاعة، وفي الوقت ذاته تجنبوا خسائرها، معنى ذلك أن من دفع الثمن هو، بصفة أساسية، هؤلاء المستثمرون قليلو الخبرة والذين تحركهم أطماع تكوين ثروة بصورة سهلة ودون عناء.
من جانبها، كانت الحكومة الأمريكية تنظر إلى ما يحدث في سوق أسهم شركات الإنترنت على أنه يمثل تشكيل لهيكل جديد للثروة في الاقتصاد الأمريكي، وأنه يحمل أخبارا سعيدة بالنسبة للميزانية الأمريكية ولإدارة جمع الضرائب، حيث ستشكل هذه المصادر الجديدة للثروة ذات القيمة الرأسمالية الضخمة وعاء جديدا للضريبة، ومن ثم المزيد من الإيرادات للخزانة. سال إذن لعاب الخزانة الأمريكية وهي ترى أكثر من تريليون دولار تضاف إلى ثروة الأفراد في صورة أسهم لشركات الإنترنت.
على مدى أكثر من ست سنوات من النفخ المتواصل، تكونت فقاعة ضخمة جدا لأسعار أسهم شركات الدوت كوم، حتى بلغ الضغط داخل الفقاعة مستواه الحرج في العاشر من آذار (مارس) 2000، عندما بلغت قيمة مؤشر ناسداك 5132.52، وهي أقصى قيمة بلغها المؤشر خلال الأزمة، وفي تاريخه حتى هذه اللحظة، وحيث إنه من غير الممكن استمرار هذا الوضع إلى ما لا نهاية، فقد بدأت عملية الانفجار المدوي للفقاعة. في خضم الحلم الكبير الذي عاشه الجميع على أمل تحقيق الثروة، انهار كل شيء. هنا فقط أدرك المستثمرون أن هذه الشركات لا يمكنها أن تحقق مستويات الأرباح التي توقعوها ولا حتى في المستقبل القريب، واكتشفوا أخيرا أيضا أن القيمة السوقية لشركات الإنترنت لا تقابلها أصول مادية تغطي هذه القيم الخيالية التي تحتلها في السوق، وأن رأسمالها الحقيقي يتكون أساسا من حقوق اختراع وقدر صغير جدا من الأصول المادية الذي يجب ألا يبرر مثل هذا الارتفاع الخيالي للقيمة الرأسمالية لأسهمها في البورصة. ومثلما هو الحال في كل أزمة، عندما يحدث الانهيار لا يكون هناك وقت كاف لأي من المتعاملين ليتخذ التدابير اللازمة لحماية نفسه، على العكس يؤدي اندفاع المستثمرين لحماية أنفسهم من خطر الخسائر إلى دفع السوق نحو الانهيار، وبالفعل انتشر الذعر بين المستثمرين والذين أخذوا في بيع أسهمهم وكانت الكارثة. ما بين كانون الثاني (يناير) 2000 حتى آذار (مارس) 2001، خسر المتعاملون في السوق تريليون (ألف مليار) دولار، محيت من ثروة المستثمرين ومن القيمة الرأسمالية للأسهم المتداولة في سوق ناسداك، وهي خسارة ضخمة جدا. قبل حدوث الانهيار كانت القيمة السوقية لأسهم شركات التكنولوجيا تتجاوز 1.4 تريليون دولار، وعند انتهاء الانهيار كانت مؤشرات القيمة السوقية تشير إلى انخفاض هذه القيمة الرأسمالية إلى نحو 400 مليار دولار فقط. بالطبع لم يقتصر أثر الانخفاض في أسعار الأسهم على شركات الدوت كوم، وإنما انتقل إلى قطاعات أخرى في البورصة، كان أكثر المؤشرات غير التكنولوجية تأثرا في العــالم هي مؤشرات DAX، وNIKKEI وFTSE، وانهار عدد كبيرة من الشركات وبالطبع كان أكثر الشركات تأثرا هي الشركات المرتبطة بالإنترنت.
انتهت الأزمة ولم يتحول العالم إلى هذا الاقتصاد الجديد على النحو وبالصورة التي روج لها المحللون، حيث ما زالت قواعد أداء الأعمال واحدة سواء في ظل الإنترنت أو دونه، فكل منتَج، سواء أكان سلعة أو خدمة، لا بد له من منتِج ينتجه ومن سوق يوزع فيه ومستهلكين يشترونه ومن ثم أرباح أو خسارة تتحقق من ورائه، بغض النظر عن الطريقة التي ستتم بها تأدية العمل، هذا بالطبع لا يعني أن الإنترنت غير مهم في مجال الأعمال، فمما لا شك فيه أن الإنترنت قد غير الطريقة التي تمارس بها الأعمال بصورة جذرية، وأثر في كيفية أداء عمليات الإنتاج والتوريد، وخفض التكاليف والمخزون وحسّن بشكل كبير من الإنتاجية في جميع القطاعات الإنتاجية للسلع والخدمات في العالم.
عندما انتهت أزمة الدوت كوم قام المستثمرون بتحويل مدخراتهم بغرض استثمارها في أصول أأمن من وجهة نظرهم هذه المرة، وهي المساكن، لتبدأ على التو عملية غرس بذور أزمة جديدة تبدو في الأفق، ولأن العالم لا يتعلم من أزماته، أخذ الشغف بالمساكن يتزايد بمرور الوقت، وبدأت عملية النفخ في فقاعة جديدة توفر الأدوات اللازمة للمهووسين بالمضاربة، ومرة أخرى، لم يكن المستثمرون يعلمون أنهم ينفخون في أكبر فقاعة للأصول بعد الكساد الكبير، أخذت أسعار المساكن في الارتفاع بمعدلات غير مسبوقة سنويا، لتنفجر الفقاعة في 2007 ولتنهار أسعار المساكن بشكل مدو، لتعلن بدء أزمة جديدة نعيشها حاليا ومن المؤكد أننا نعلم جميع تفاصيلها جيدا، ولذلك لن أتناول أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، فتلك أزمة أخرى يعلمها الجميع لأننا نعيش آثارها.
وأخيرا عزيزي القارئ انتهت هذه السلسلة من المقالات حول الأزمات التي مرت على العالم. أنا بالطبع لم أتناول جميع الأزمات التي جرت في هذا العالم، فمما لا شك فيه أن هناك عشرات الأزمات الأخرى التي أثرت تأثيرا عميقا في أنحاء عدة منه، ولكني حرصت على عرض الملامح الأساسية للأزمات الرئيسة التي مرت على العالم تاركا الأزمات الأخرى ذات الأهمية الأقل. ومن المؤكد أن هناك عشرات الدروس التي يجب أن نتعلمها من هذه الأزمات، ولكننا مع الأسف لا نتعلمها.
في الحلقة القادمة والأخيرة أتناول، بإذن الله تعالى، فقاعة يعيشها العالم حاليا وهي تحمل خصائص الفقاعات السابقة كافة التي مرت عليه، والتي عندما انفجرت أصابت قطاعا عريضا من المستثمرين عبر العالم، إنها فقاعة أسعار الذهب.
أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة استاذنا العزيز د.محمد إبراهيم السقا ارجو منك ان يتحفنا يراعك الخبير بمقال عن ازمة الرهن العقاري في امريكا وصيامك مقبول باذن الله
شكرا د. محمد على هذه الاضافات المتميزة ...ونتمنى منكم رؤية نقدية للاوضاع الاقتصادية لدول المنطقة. ولازلنا نتمنى من سعادتكم مقال او اكثر حول الاقتصاد النقدي وخصوصا حول صلاح (او) فساد قياس النقد بالذهب او الفضة والذي هو اساس لما يروج له الانتهازيين و النفعيين بالاقتصاد الاسلامي. اخوكم. شاري