"الإعلام الجديد".. و مقص الرقيب

20/08/2010 3
محمد سليمان يوسف

شكل "الخط الأحمر" خلال العقود الماضية حاجزا قويا أمام حرية الرأي والتعبير في الإعلام العربي ، كما لعب مقص الرقيب دورا مؤثرا في إخفاء أو تشويه الحقائق ، بل و فشل الإعلامي العربي – نسبيا - في مواجهة الترويض والتدجين وقبل- أحيانا - أن ترسم له السلطة الرسمية حدود حريته ووافق - ضمنيا - على عدم تخطي تلك الحدود . وحتى هذه اللحظة ما زالت نسبة من الإعلاميين العرب سجينة الرقابة الذاتية ولا تكتب أو تتكلم إلا تحت سقف تراه هي "سقفا آمنا ".. أنا لا ألوم أي إعلامي فلكل ظروفه ورأيه وفلسفته في الحياة ، لكني أكتب هذه المقدمة لتكون أساسا مناسبا لطرح السؤال التالي .. هل "الإعلام الجديد" قادر على إزاحة الرقيب أو تجاوزه ونفيه إلى مزبلة التاريخ ؟ .

قبل التعمق في مناقشة أي مفهوم ، أود وضع تعريف مختصر لمصطلح الإعلام الجديد : " هو إعلام اليوم بشكل مختلف كليا عم سبقه ، يجمع بين الوسائط الإعلامية التقليدية القديمة –صحف ، مجلات ، إذاعة ، تلفزيون، سينما – و الوسائط الإعلامية الرقمية الجديدة المتمثلة بشبكة الإنترنت وما يحتويه فضاءها من مواقع إخبارية و علمية و اجتماعية وسياسية واقتصادية وحوارية وفنية ورياضية تفاعلية ، وقادر - باستخدام الحاسوب والهاتف الذكي - على نشر المعلومات والأخبار بسرعة فائقة وتوفير بيئة تفاعلية ذكية وخلاقة تكفل فضاء حرا للجدل و تبادل الرأي حول جميع القضايا الإنسانية والمعرفية والفكرية بالإعتماد على الكلمة والصوت والصورة " .

لولا أجهزة الكمبيوتر – بما تحتويه من وسائط - و شبكة الإنترنت وما يضمه فضاؤها من مواقع شهيرة مثل "الفايسبوك " و " اليوتيوب" و "تويتر" وغيرهم من المواقع لما كنا نتحدث اليوم عن "الإعلام الجديد" .. هذا الإعلام الذي أصبح قادرا على تجاوز جميع الحدود والقيود والخطوط الحمراء بل و منح الإنسان و بأدوات بسيطة جدا تفوقا هائلا في مخاطبة شرائح اجتماعية واسعة والتفاعل معها وتحريضها وتحريكها بشكل مباشر وسريع ، ولعل هذا ما جعله أي "الإعلام الجديد" عدوا لدودا للرقيب الرسمي بدليل تصاعد المشاكسة والصراع بين هذا الرقيب وبين المدونين - عربا أو عجما - إما من خلال الملاحقة أو من خلال الحجب والمنع والحظر .

مشكلة الرقيب في العالم العربي لم تعد اليوم مع الفضائيات وأجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت وما تنتجه من مدونات تتوالد بالعشرات يوميا بل امتدت مؤخرا إلى جهاز الهاتف الذكي وخاصة "البلاك بيري " هذا الجهاز السحري العجيب ( بعيدا عن عيوبه و سوء استخدامه وتشفير بياناته وأثر ذلك على الأمن الوطني والقومي ) القادر على تمكين مستخدمه من تصوير أي حدث "قصة إخبارية" – مظاهرة ، شجار ، تمرد ، تعذيب ، حادث ،جريمة ، معركة – وتخزينها كشريط فيديو ثم وضعه على شبكة الإنترنت والتعليق عليه أو إرساله عبر البريد الإلكتروني إلى آلاف الناس خلال لحظات وبهذا المعنى أصبح من الممكن لأي إنسان عادي العمل كصحفي – مراسل عالمي- ونقل الخبر خلال دقائق إلى كافة أرجاء المعمورة بعيدا عن عين الرقيب ومقصه .

أعتقد مرجحا أن زمن الرقيب الرسمي في العالم العربي إلى زوال – طال الزمن أم قصر – وأن الصراع القادم سيكون بين "الإعلام الجديد " المسير مباشرة من قبل أفراد عاديين ، وبين القنوات التلفزيونية العربية المتحكم بها من حكومات ومنظمات وشركات أعمال .. صحيح أن قنوات كبرى مثل الجزيرة والعربية بدأت تتحوط ضد "الإعلام الجديد" وبادرت إلى خطب ود العديد من المواقع الإجتماعية - كالفايسبوك واليوتيوب- من خلال إنشاء صفحات خاصة بها على جدران تلك المواقع إلا أني أعتقد جازما أن مشكلة هذه المحطات ستتفاقم تدريجيا خلال السنوات القادمة خاصة عندما تنتشر عشرات الآلاف من المحطات التلفزيونية العربية على شبكة الإنترنت – محطات تلفزيونية يديرها شخص واحد هو المدير والمنتج والمراسل ورئيس التحرير والمعد والمصور والمخرج والمذيع – والتي سيكون بمقدور أي شخص يسير في الشارع ويحمل هاتفا ذكيا متابعة هذه المحطات دون الحاجة إلى صحن لاقط و مستقبل وجهاز تلفزيون .