تعد الموازنة العامة للدولة عملية تقديرية للايرادات العامة والنفقات العامة للسنة المقبلة وتقوم بتقديرهذه الايرادات والنفقات الجهة التنفيذية المتمثلة فى وزارة المالية ثم تعرض فى تاريخ محدد على الجهاز التشريعى المتمثل فى مجلس الشعب ليقوم بداستها واعتمادها وتظل قبل هذا الاعتماد تسمى مشروع موازنة الى ان يتم اعتمادها من السلطة التشريعية.
ولكن لا تعتبر الموازنة العامة مجرد بيان يتضمن الايرادات والنفقات العامة فقط و بالرغم من ما تحتويه من ارقام وتفاصيل اقتصادية مجرد انعكاس للسياسة الاقتصادية للحكومة فقط ولكنها تتضمن التوجه السياسى والاجتماعى للحكومة
وعندما تطرح الحكومة مشروع الموازنة للعام القادم على مجلسي الشعب والشورى فهي تضع أمامنا بالأرقام نتائج سياستها المالية وخطتها للعام الجديد وفقاً للمادة 115 من الدستور , والمثير للدهشة التصريحات التى يصرح بها المسئولين دائما قبل كل مناقشة لبنود الموازنة ، فهناك الكثير من الحقائق الهامة التي تشير الى ضعف الاداء الاقتصادى للدولة رغم أنها غير صادرة عن حزب معارض ولكنها صادرة من الأجهزة الرئيسية للحكومة حيث صرح وزير المالية "انه ليس بالامكان افضل مما كان" مبررا تدنى الوضع الاقتصادى كنتيجة لما جاءت به الازمة المالية العالمية. واستخدم الارقام لتوضيح اثر الازمة المالية العالمية على الوضع الاقتصادى المحلى حيث اشار الى ان معدلات النمو الاقتصادى اخذت فى التراجع من 7.8% خلال الربع الثانى من العام المالى2007/2008 الى 7.4% فى الربع الثالث ثم الى 6.7% خلال الربع الرابع من نفس العام كما استمر معدل النمو فى الانخفاض الى ان وصل الى 4.1%خلال الربع الثانى من العام 2009 ولكن اذا كانت الحكومة تدرك هذه الحقائق فلماذ لم يكن لها سياسات تحوطية لتفادى اثر الازمة او على الاقل لماذا لم نضع خطط انقاذ مالية لتقيل اثر الازمة.
كما صرح ايضا السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى" ان موازنة عام 2009/2010 اشبه بموازنة الحروب وذلك بسب الازمة المالية" ولكن فى حقيقة الامر ان الموازنة تتبع سياسة مالية انكماشية ويمكن ملاحظة ذلك من خلال انخفاض حجم المصروفات العامة من 356.8 مليارجنيه فى موازنة العام الجارى الى 319.1 مليار جنيه ولكن كان من الافضل ان تكون الموازنة توسعية تعتمد على زيادة الاستثمارات قصيرة الاجل التى بدورها ستعمل على تفعيل الدورة الاقتصادية لتقليل اثار الازمة وايضا للحفاظ على تحقيق معدلات نمو مرتفعة.
وفى ضوء تصريحات ممثلي الحكومة المثيرة للدهشة فقد صرح جمال مبارك فى المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده مع وزير المالية عقب اجتماع المجلس الأعلى للسياسات الذى خصص لمناقشة الموازنة العامة للدولة " إن الحزب الوطنى حدد ركائز أساسية وأولويات للموازنة العامة وفى مقدمتها ضرورة السيطرة على عجز الموازنة وعدم السماح للعجز بالانفلات.
وتبلغ الايرادات العامة المشار اليها فى الموازنة المقدرة للعام القادم نحو 224.9 مليار جنيه والتى تغطى نسبة 70.5% من حجم المصروفات العامة للموازنة والمقدرة بـ 319.1 مليار جنيه ومن ثم فتظهر فجوة بين جانبى الايرادات العامة والمصروفات العامة تصل الى 94.1 مليار جنيه تمثل العجز النقدى فى مشروع الموازنة العامة بنسبة 8% تقريبا من الناتج المحلى وهى النسبة التى تصفها الحكومة انها ماذلت داخل الحد الامن مما يدفعنا للسؤال حول ما هى رؤية الحكومة لمستوى العجز الأمن.
فى حين ان الحكم على خطورة العجز من عدمه ترتبط فى الاساس بالحالة الاقتصادية التى تمر بها البلد فاذا كانت الدولة فى حجالة كساد كما هو الوضع حاليا فان السعى نحو تحقيق التوازن المحاسبى فى الموازنة يسهم فى تحقيق المزيد من التباطؤ ولكن من الافضل فى هذه الحالة ان يكونت الهدف هو تحقيق الانماء الاقتصادى حتى ولو كان ذلك على حساب التوازن المالى.
وعلينا ايضا ان ناخذ فى الحسبان حجم العجز فى الاجل المتوسط والاجل الطويل اخذين فى الاعتبار قدرة هذا العجزفى دفع عجلة النمو وزيادة قدرة الاقتصاد على توليد الموارد الازمة لتقليص هذا العجز على المدى المتوسط وهو ما يعنى قياس مدى مساهمة مستوى العجز فى رفع معدلات الاستثمار وتغيير هيكل الانتاج.
ومن خلال التحليل التفصيلي جانبى الموازنة نجد ان جانب الموارد العامة والذى ينقسم الى الإيرادات العامة (المكونة من الإيرادات الضريبة والمنح والإيرادات غير الضريبة) بالاضافة الى المتحصلات من الحيازة ومصادر التمويل نجد ان الايرادات العامة قدرت فى موازنة العام القادم بنحو 224.9 مليار جنيه مقابل 276.7 مليار جنيه من موازنة العام الجارى اى بنسبة خفض قدرها 51.8 مليار جنيه وبنسبة 18.7% ولكن فى حالة مقارنتها بالايرادات العامة المتوقعة للعام الجارى والبالغة 289.7 مليار جنيه ستكون نسبة الانخفاض 22.3%.
ويرجع ذلك الانخفاض فى الايرادات العامة الى انخفاض الايرادات الضريبية والارباح المرتبطة بايرادات قناة السويس بالاضافة الى انخفاض الايرادات الغير ضريبية.
ان أرقام مشروع الموازنة توضح فعلا دعم الحكومة لكلا من التعليم والصحة والثقافة بنسب زيادة ولكن بالتحليل الدقيق لهذه الزيادات نجد انها موجهة الى أجور العاملين بهذه القطاعات ولكن زيادة الاجور فى حد ذاتها لاتضمن التاثير على الحالة الصحية او التعليمية.
فى حين ان وزارة المالية تشير الى ان هذا الدعم ياتى فى اطار الحفاظ على البعد الاجتماعي بالإضافة الى سعيها أيضا الى زيادة الطلب المحلى ولكن اذا كان المواطن البسيط هو محور اهتمام الحكومة فلماذا يتضمن مشروع الموازنة تخفيض الأموال الموجهة لدعم الحماية الاجتماعية التى تتضمن المرضة والعجزة والبطالة والشيخوخة بنسب تفوق ال 50% عن العام الجاري هو ما يعنى ان هذه الفئة خارج إطار البعد الاجتماعي الذى تتحدث عنه الحكومة كما تضمن ايضا أرقام مشروع الموازنة نية الحكومة الى خفض الأموال الموجهة الإسكان بنسبة تفوق 52%.