لقد أصبحت حوكمة الشركات Corporate Governance " " من الموضوعات الهامة علي كافة المؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية وذلك بعد سلسلة الأزمات المالية المختلفة التي حدثت في الكثير من الشركات وخاصة في الدول المتقدمة ، مثل الانهيارات المالية التي حدثت في عدد من دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية عام 1997م وأزمة شركة Ernon والتي كانت تعمل في مجال تسويق الكهرباء والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 والتى اتبعها انهيار أعظم شركة تدقيق حسابات بالعالم "Arthur Andersen" لثبوت تورطها بانهيار شركة انرون مما كان له اثرا سلبيا على أسواق الولايات المتحدة الأمريكية، فى ذلك الوقت بشكل اربك الحكومة الأمريكية التي بدأت تبحث عن الأسباب التي أدت لتلك الانهيارات غير المتوقعة الحدوث.وأظهرت جميع التحليلات التي أجريت للتعرف على أسباب هذا الانهيار الى وجود خلل رئيسي في أخلاقيات وممارسة مهنتي المحاسبة المراجعة المحاسبية.
وبمعنى اخر فان هذا الانهيار يرجع إلي الفساد الإداري والمحاسبي بصفة عامة والفساد المالي بصفة خاصة ،مع مراعاة أن الفساد المحاسبي يرجع في احد جوانبه الهامة إلي دور مراقبي الحسابات وتأكيدهم علي صحة القوائم المالية وما تتضمنه من معلومات محاسبية وذلك علي خلاف الحقيقة. يضاف إلي ذلك بان من أهم أسباب انهيار الشركات هو افتقار إدارتها إلي الممارسة السليمة في الرقابة والإشراف وكذلك اختلال هياكل التمويل وعدم القدرة علي توليد تدفقات نقدية داخلية كافية لسداد الالتزامات المستحقة عليها ،بالإضافة إلي نقص الشفافية وعدم الاهتمام بتطبيق المبادئ المحاسبية التي تحقق الإفصاح والشفافية بجانب عدم إظهار المعلومات المحاسبية لحقيقة الأوضاع المالية للشركة.
وعلى الرغم من اسلبيات العديدة التى حدثت من جراء هذا الانهيار الا ان كان لها وجه واخر وهو الكشف عن سلبيات والتى كشفت عدم وجود قواعد موضوعية ومستقلة في المجال المحاسبي، وأن الأنظمة المحاسبية المعمول بها ما هي إلا صورة من الاتفاقيات التي تستلزم إصلاحا حقيقيا يمكن من تجنب هذه الانحرافات، خاصة الممارسات التي تهدف لعرض حسابات وهمية تتم بطرق خاصة تتبعها المؤسسة المعنية. حتى نضمن إذا نزاهة المعلومة وصدقها وصحة الحسابات المعروضة ونضمن ايضا فعالية الأنظمة المحاسبية المستعملة ومع ان التاريخ يعيد نفسه الا ان النظام الامريكى لم يستفيد من الدروس السابقة فان غياب الافصاح والشفافية فى العديد من الازمات المالية السابقة فى تاريخ الاقتصاد الامريكى الا انها لم تتخذ عبرة او على الاقل لم تاخذ الحيط والحظر من تكرار مثل هذه الازمات , فما العالم فيه الان من ازمة كساد يعود سببه الرئيسي الى التوسع في القروض العقارية في السوق الامريكي اعتمادا على الارتفاع الكبير في اسعار العقارات.والتى لم تستمر كثيرا فمع تراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة تراجعت اسعار العقارات من جهة، وتوقف مقترضون عن سداد ديونهم للبنوك مع زيادة البطالة من جهة اخرى، وبالتالي وجدت البنوك انها لا تستطيع بيع العقارات لاسترداد قيمة القروض لان قيمة هذه العقارات، اصبحت اقل كثيرا من قيمة القروض. والنتيجة كانت انفجار فقاعة القروض العقارية لتصل كلفة الازمة المالية في الولايات المتحدة الامريكية وحدها ب 1.4 تريليون وفقا لما قدرته بعض المصادر المالية (وزرارة الخزانة الامريكية) بالاضافة الى مليارات الدولارات في دول العالم الأخرى، حيث الكلفة الحقيقية للازمة لم يتم تقديرها بدقة بعد ولجاءت دول عدة لضخ مليارات إلى الأسواق المالية لإسناد الاسوق وتوفير السيولة لتحريك الاقتصاد العالمى ومنع دخوله في حالة ركود او كساد اسوأ بكثير من حالة الكساد العظيم التي ضربت الاقتصاد الامريكي في العام 1929 لكون الازمة الحالية تضرب العالم بدون استثناء.
وقد تبدو الازمة فى البداية ازمةاقتصادية بحتة نشاءت من جراء عقابات مالية ولكن ما زاد الامر خطورة وجعلها اكثر هو ان المؤسسات المالية تشتري سندات مالية securities بضمان الديون العقارية، وهذه السندات المالية يتم اعادة انتاجها واعادة بيعها في السوق الموازية Secondary market عدة مرات طالما ان هناك من يشتريها، بمعنى آخر يتم تداول القروض العقارية في الاسواق دون رقابة ودون ضوابط اى باختصار ان ما يعانى منه الاقتصاد العالمى الان يرجع الى ضعف الرقابة والضوابط على الاسواق المالية الامريكية، واندفاع الكثير من مديريها لتحقيق الارباح باقصى درجات المخاطرة بالاضافة الى عدم الاسراع فى الافصاح عن الازمة التى يشير البعض انها بداءت فى الربع الاول من العام السابق وبالرغم من ذلك اغفلت جهات عديدة الحديث عن الازمة كما ان بعضها لم يعطيها الحجم الطبيعى واغفل الاثر التى من الممكن حدوثها وهذا ما يعد فى حد ذاته عدم افصاح.
وفي ضوء ذلك يمكن القول بأنه من الأسباب الهامة لحدوث انهيار الكثير من الوحدات الاقتصادية هو عدم تطبيق المبادئ المحاسبية ونقص الإفصاح والشفافية وعدم إظهار البيانات والمعلومات الحقيقية التي تعبر عن الأوضاع المالية لهذه الوحدات الاقتصادية ،وقد وانعكس ذلك في مجموعة من الآثار السلبية أهمها ضياع حقوق أصحاب المصالح وبصفه خاصة المستثمرين وحملة الاسهم ، كما أدى إلي فقد ثقة المستثمرين المرتقبين في بيئة الاستثمار.
لذا فان الاهتمام بتطبيق حوكمة الشركات هو المخرج السريع والحل المتكامل والفعال لكل هذه السلبيات وذلك لان الأزمة العالمية الحالية كشفت الحاجة الماسة إلى تدعيم مفاهيم الإفصاح والشفافية والمساءلة والنزاهة وترسيخ تطبيقها حتى نحول دون تكرار مثل هذه الأزمات لان افتقاد الشفافية أدى إلى افتقاد المساءلة وكلاهما ساهم بشكل كبير في الضعف المالي سواء في الشركات أو على مستوى الدولة.