كيف توافقت أرقام المركزي مع أرقام الإحصاء والبورصة

26/07/2010 1
بشير يوسف الكحلوت

قد يبدو للوهلة الأولى أن هناك تحسناً ملحوظاً قد طرأ على وضع بيانات البنوك التجارية في قطر مع نهاية النصف الأول من العام 2010، كيف لا وقد زادت موجودات ومطلوبات البنوك في شهر يونيو بنسبة 3.7% عن شهر مايو مسجلة بذلك رقماً قياسياً جديداً بوصولها إلى 505.4 مليار ريال.

 كما أن إجمالي التسهيلات الممنوحة من البنوك قد ارتفعت خلال شهر يونيو بنسبة 1.2% إلى مستوى 296.6 مليار، وزاد الائتمان المحلي بنسبة 1.5% إلى 277.7 مليار ريال.

وفي حين زاد الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بنسبة 2.5% إلى 182.7 مليار ريال، فإن الائتمان الممنوح للحكومة والقطاع العام قد تراجع بنسبة 0.4% إلى 94.9 مليار ريال.

هذه التطورات تعكس تحسناً إلى الأفضل في بيانات شهر يونيو عما كان عليه الحال في شهر مايو، وفي الشهور الأولى من العام بوجه عام، ولكن هل الصورة إيجابية فعلاً إلى هذا الحد؟ وهل يتفق ذلك مع حقيقة أن الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي والغازي كان يسجل تراجعاً في الربع الأول من العام بمعدل 3.4%، وأن معدل التضخم في شهر مايو كان لا يزال سالباً بمعدل 3.57%؟ إن نظرة متفحصة لبيانات الميزانية المجمعة للبنوك تعكس جوانب أخرى تقلل من إيجابية الأرقام المشار إليها أعلاه،وتفاصيل ذلك على النحو التالي:

1- أن جزءاً مهماً من الزيادة في مطلوبات البنوك لم تأت من ودائع العملاء التي هي في العادة المصدر الأهم لمطلوبات البنوك وإنما بالاستدانة من بنوك خارج قطر، حيث زادت أرصدة البنوك الخارجية لدى بنوك قطر بنحو 12.5 مليار ريال في شهر واحد لتصل إلى 83.8 مليار حتى نهاية يونيه 2010. الجدير بالذكر أن صافي أرصدة البنوك في قطر مع بنوك الخارج كان في تزايد مستمر لصالح بنوك الخارج منذ ديسمبر الماضي، حيث ارتفع من سالب 35.5 مليار ريال في ديسمبر 2009، إلى سالب 44.6 مليار مع نهاية شهر مايو ، ثم إلى سالب 53.7 مليار ريال مع نهاية يونيو.

2- أن ودائع العملاء لدى البنوك قد سجلت تراجعاً في شهر يونيو بنسبة 1.2% إلى 271.6 مليار ريال، مع تراجع ودائع تحت الطلب والحسابات الجارية في نفس الفترة بنسبة 5.3% إلى 75.7 مليار ريال، بعد أن كانت في حالة تزايد في الشهور السابقة.

3- أن الزيادة في الائتمان المحلي والتمويلات بنسبة 1.5% في شهر واحد، وبنسبة 10% في ستة شهور منذ بداية العام قد تركزت على قطاع واحد هو قطاع القروض الاستهلاكية (للأفراد بضمان الراتب) الذي نمت قروضه بنسبة 8.7% في شهر يونيو وبنسبة 16.9% في ستة شهور منذ بداية العام. وسجلت قروض القطاعات الأخرى تراجعات بعضها على مستوى الشهر كالعقارات والتجارة العامة والمقاولين، والبعض الآخر في فترة 6 شهور كقطاعات الخدمات والصناعة والقطاعات المصنفة أخرى، وأن ائتمان القطاع الخاص ككل قد ارتفع بنسبة 2.5% في شهر يونيو وبنسبة 2.6% فقط منذ بداية العام.

4- أنه رغم التراجع الظاهري والمحدود في حجم الائتمان المباشر المقدم للحكومة، فإن طرح الحكومة لسندات مالية بقيمة 7.9 مليار ريال، يزيد في واقع الحال من الدين العام الممول محلياً من القطاع المصرفي.

5- أنه في الوقت الذي قلصت فيه البنوك من معدل النمو في تسهيلات القطاع الخاص، فإنها إلى جانب توسعها في الإقراض للحكومة والقطاع العام، قد زادت بشكل مطرد من أرصدة حساباتها الحرة لدى مصرف قطر المركزي حتى بلغت 38 مليار ريال، بما يعكس توجهاً للتقليل من حجم الإقراض للقطاع الخاص. هذه الصورة قد يكون لها ما يبررها، فمن ناحية وجدت البنوك نفسها منذ عام 2009، إزاء وضع صعب نتج عن عجز جانب من العملاء عن سداد التزاماتهم من جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية.

ورغم أن الحكومة قدمت الدعم المطلوب في مواجهة الأزمة إلا أن البنوك ربما صنفت جانباً لا بأس به من عملائها كمعسرين لا يمكن إقراضهم من جديد، إلا إذا سددوا ما عليهم. ومن جهة أخرى رفعت البنوك معدلات فوائد التمويل والإقراض للتعويض عن انخفاض هامش ربح الفوائد لديها، وبسبب استمرار ارتفاع سعر فائدة الإقراض من المركزي عند مستوى 5.5%.

ومن جهة أخرى فقد العملاء رغبتهم في الاقتراض من جراء الظروف غير المواتية التي ولدتها تداعيات الأزمة المالية العالمية في قطاعات مثل العقارات والأسهم والاستثمار بوجه عام، فتراجع طلبهم على الائتمان وخاصة مع ارتفاع معدلات الفائدة عليه.

وإذن فالصورة التي رسمتها بيانات مصرف قطر المركزي تكمل الصورة التي رسمتها بيانات إدارة الإحصاء، والصورة التي ترسمها أرقام بورصة قطر وتتلخص في: تراجع ناتج القطاع الخاص، وتراجع حجم الائتمان الممنوح له من المصارف، واستمرار معدل التضخم سالباً، ومن ثم تراجع أرباح الشركات المدرجة في البورصة، وانكماش أحجام التداولات اليومية، وتراجع أسعار الأسهم فيعجز المؤشر عن الارتفاع، ويظل دون مستوى 7000 نقطة.