الوليد .. والعراب العتيد

08/07/2010 36
محمد سليمان يوسف

أسعدني كثيرا خبر الإعلان عن قناة تلفزيونية إخبارية جديدة، وأسعدني أكثر أن هذه القناة من بنات أفكار الوليد بن طلال هذا الرجل الذي كان وما زال قدوة للكثير من شباب العرب الطموحين خاصة وأنه معروف باختياراته الصائبة في مجالي المال والأعمال وأنا وغيري من الإعلاميين نتوقع أن تشكل القناة الجديدة علامة فارقة في فضاء الإعلام العربي الذي ترهل في الآونة الأخيرة  كثيرا وأصبح بحاجة إلى "حجر كبير" يحرك المياه الراكدة و يخلط الأوراق ويؤسس لقفزة نوعية تدفع "الزبدالجيد "إلى السطح مرة أخرى.

لا أشك لحظة بحسن اختيار الوليد للصحفي الجريء جمال خاشقجي ليكون العراب العتيد للقناة الجديدة، صحيح أنه أي "العراب العتيد "قادم من عالم الصحافة الورقية خلافا للدارج في مثل هذه الحالات إلا أني أرى في هذا نقطة قوة تحسب له وليست نقطة ضعف تحسب عليه، بشرط أن لا يميل مستقبلا للإعتماد كليا على محرري الصحافة الورقية لأن ذلك سيضيع الشكل على حساب المضمون– الصورة تعادل الف كلمة – وأنا على ثقة بأن الخاشقجي بما لديه من خبرات ورؤى  وبعد نظر قادر على تجنب مثل هذا المطب قبل الجزيرة كان الإعلام العربي– الرسمي- في ثبات عميق، وبعد إطلاق الجزيرة أصبح للإعلام العربي تاريخ– ما قبل الجزيرة وما بعدها– ثم جاءت العربية لتكسر احتكار الجزيرة للخبر  ونافست وانشق الجمهور بين متابع لهذه أو تلك، وكل ما جاء بعد الجزيرة والعربية من قنوات تلفزيونية إخبارية كان مجرد دكاكين صغيرة بالكاد قادرة على دفع رواتب موظفيها– باستثناء بعض القنوات الحكومية– وبالتالي لم يكتب لأي من تلك القنوات النجاح الحقيقي ولذلك أصبحنا الآن نحن العرب فعلا بحاجة إلى قناة إخبارية قادرة على إعادة اللعبة الإعلامية إلى مربع المنافسة. إن مهمة الخاشقجي لن تكون سهلة، والطريق أمام القناة الجديدة لن يكون مفروشا بالورود، صحيح أن الدعم المادي والمعنوي كبير لكن الصحيح أيضا أن الإستحواذ على عقل المشاهد العربي وقلبه ليس بالأمر الهين السهل، لأنه أي هذا المشاهد العربي تعرض لاضطهاد إعلامي على مدى نصف قرن، وهو حتى الآن أو لنقل نسبة كبيرة منه تشكك في مصداقية جميع القنوات بما في ذلك قناتي الجزيرة والعربية، وبالتالي فإن المهمة الأهم أمام القناة الجديدة هي كسب ثقة المشاهد العربي عبر المعادلة البسيطة " الخبر الجيد = موضوعية + مصداقية + حيادية"  ومن المستحيل تحقيق هذه المعادلة بدون هامش واسع من الحرية- لرئيس التحرير والمحررين والمراسلين والضيوف– وبدون حماية حقيقية فلا يكفي أن نعطي الصحفي حرية ليكتب أو يسأل أو يتحدث بل يجب أن نحميه عندما يمارس مهنته.

لست الإعلامي الوحيد الذي فرح لخبر إنشاء المحطة الجديدة بل أعتقد جازما أن الكثير من الإعلاميين فرح للخبر ذاته ليس لأن هذا الكثير يتطلع للعمل في المحطة العتيدة– وهذا أمر مشروع– بل لأن إطلاق هذه القناة سيشكل بابا يمكن من خلاله الضغط على القنوات والصحف القائمة لتعيد حساباتها وترفع رواتب موظفيها قبل أن تفقدهم إذ من المعروف أن تأسيس أي قناة جديدة أو صحيفة جديدة يعني تهديدا لاستقرار القنوات والصحف الأخرى خاصة عندما تكون القناة الجديدة منافسة وقادرة وبالتالي فإنها تغدق بالإغراءات على الكفاءات لجذبها إلى صفوفها.

من المؤكد أن الوليد والخاشقجي سيبدأون من حيث انتهى الآخرون – فوكس وسكاي نيوز -  وبالتالي لا أتوقع أن تكتفي القناة الجديدة بنقل الأخبار لأن المتابع قادر على قراءة الخبر بعد لحظات من وقوعه في الكثير من وسائل الإتصال والمواقع الإلكترونية ولهذا فإن مهمة كل قناة تلفزيونية اليوم الإضاءة على ما وراء الخبر وتحليل أبعاده و التنافس بين القنوات التلفزيونية الفضائية اليوم  لم يعد قائما على نقل الخبر وإنما على تحليله وقراءته بإمعان من قبل ضيوف ومحللين ومستشارين بالإضافة إلى خلق نوع من التفاعل والتواصل مع المتابعين والمشاهدين عبر برامج تفاعلية مبتكرة.