هذه هي الحلقة الأخيرة في سلسلة مقالات إعادة التفكير في العملة الخليجية الموحدة، والتي تناولنا فيها بالتحليل مدى توافر شروط منطقة العملة المثلى في دول المجلس واحتمالات نجاح هذه العملة المقترحة، وقد توصلنا من التحليل إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست منطقة عملة مثلى وأنه مع الأسف فإن الجانب الأكبر من هذه المتطلبات غير متوافر حاليا لدول مجلس التعاون كتكتل، الأمر الذي يحد من فرصة إطلاق العملة الموحدة على نحو آمن، ومنذ البداية وأنا أحذر من مشروع العملة الخليجية الموحدة، نظرا لما قد يحمله من مخاطر لمجلس التعاون ربما تهدد، في حال اشتدادها، مسيرة التعاون ذاتها بين دول المجلس.
لقد خطا مجلس التعاون خطوات عملاقة، على الأقل نظريا، في العقد الماضي حيث تم إطلاق ثلاثة مشاريع رئيسية للتكامل هي الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، وأخيرا الموافقة على الاتحاد النقدي وذلك في أقل من سبع سنوات، وهو ما يمثل اختصارا هائلا للمدى الزمني اللازم لإطلاق مثل هذه المشاريع الضخمة، على نحو قد يوحي للمراقب بأن المجلس يطلق مشاريع التكامل واحدا تلو الآخر في صورة أقرب إلى سد الخانات منها إلى إرساء قواعد متينة لمشاريع تكامل تتسم بالقوة والواقعية والاستدامة.
فكيف تفكر دول المجلس في إصدار عملة موحدة، وهو أقصى مستويات التكامل الاقتصادي، وهي لم تنته بعد من مشروع الاتحاد الجمركي، وهو أولى مراحل التكامل الاقتصادي.
من الواضح أن الإصرار على المضي في مشروع العملة الخليجية المشتركة هو قفز كبير فوق معطيات الواقع الذي لا يساند عملية إطلاق مثل هذه العملة.
فتبني مشروع مثل العملة الموحدة ليس على نفس القدر من البساطة التي صاحبت إطلاق مشروعات أخرى، بعضها تم إطلاقه على الورق تقريبا، على سبيل المثال، أين السوق الخليجية المشتركة التي تم إطلاقها منذ ثلاث سنوات؟
ما أثرها في دول المجلس؟
كيف استفادت منها الدول الأعضاء؟
هل يشعر بها المواطن في دول المجلس في حياته اليومية؟
ماذا استفاد منها المستهلك الخليجي؟
وماذا استفاد منها التاجر الخليجي؟
وماذا قدمت للتجارة البينية بين الدول الأعضاء؟
وهل أدت إلى اتساع نطاق انتشار الشركات الخليجية عبر دول المجلس ومن ثم اتساع حجم المبادلات عبر الخليج من خلالها؟
إذا كانت الإجابة هي لا ندري، فكيف يمكن أن نمضي قدما في مشروع في غاية الخطورة مثل العملة الخليجية الموحدة، والذي يمس بشكل مباشر دخول ومدخرات وثروات والقوى الشرائية للمواطنين في دول المجلس دون أن نتأكد أولا من متانة مؤسسات التكامل بالشكل الذي يضمن الحفاظ على استقرار هذه العملة.
أنا لست ضد إطلاق عملة خليجية موحدة، على العكس لقد عددت من مزاياها في مواضع عدة، ولكني مع الإطلاق الآمن للعملة الموحدة والتي تتطلب بشكل رئيس تجانس السياسات وتناغمها في دول المجلس كافة لكي نضمن استقرار الأوضاع التي تؤثر في مسار تلك العملة، وهو ما أراه حاليا بعيدا عن الواقع المطلوب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت دول المجلس غير مهيأة للمضي في إطلاق العملة الموحدة، فما هو البديل المتاح أمام هذه الدول للاستفادة المزايا التي يتيحها مشروع العملة الموحدة وفي ذات الوقت تتجنب المخاطر المصاحبة لإصدار عملة موحدة غير ناجحة؟
أعلم إجابتي على هذا السؤال لن تعجب الكثير من القراء، خصوصا المقيمين خارج المملكة العربية السعودية، ولعلي أتذكر أنني عندما طرحت فكرة تبني الريال السعودي كبديل أمثل للعملة الخليجية الموحدة، منذ ما يقرب من خمس سنوات مضت، في الكويت وكان ذلك في ندوة نظمها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية عن العملة الخليجية الموحدة، ووجهت بهجوم شديد من الحاضرين في الندوة والذين لم يستطيعون هضم فكرة أن يتم إلغاء عملتهم الوطنية الدينار الكويتي ليتم استبدالها بالريال السعودي.
وقد نشرت هذا المقترح عدة مرات، داخل الكويت وخارجها وكان آخرها في صحيفة الاقتصادية السعودية، وأنا أتفهم خلفية هذا الهجوم وأعلم أنه لا يقوم على أساس علمي، وإنما يرتكز من أساس سياسي أو عاطفي بالدرجة الأولى، بينما أنا أتناول الموضوع من زاوية علمية بحتة وأفترض ان الدول الأعضاء في المجلس صادقة بالفعل في محاولة الاستفادة من الفرص التي تتيحها مثل هذه العملة، وأن دول المجلس والمقيمين فيها بلغوا من النضج الفكري والسياسي والاقتصادي ما يؤهلهم لقبول أي مقترح طالما أن فيه مصلحة للجميع بغض النظر عن الاعتبارات السياسية أو العاطفية.
الفكرة الأساسية من المقترح هي أنه إذا كانت دول مجلس التعاون تواجه احتمالات تعرض مشروع العملة الموحدة للفشل نظرا للتهديدات المختلفة التي تواجه عملية إصدار هذه العملة، فإن البديل الأمثل من الدرجة الثانية الذي يمكن أن تلجأ إليه هو اختيار عملة قائمة بالفعل من عملات دول مجلس التعاون، والاتفاق على استخدامها كعملة موحدة بدلا من إصدار عملة جديدة.
العملات المرشحة لأن تلعب دور العملة الخليجية الموحدة هي الريال السعودي والدينار الكويتي والدرهم القطري والدينار البحريني، وذلك باعتبار ان كل من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان تعدان حاليا خارج نطاق المشروع، وحسبما أعلن لا تفكران في العودة إليه، على الأقل في الوقت الحالي.
عندما نعقد مقارنة بين هذه العملات الأربع من حيث حجم عرض النقود لكل منها، ونطاق السوق المحلي الذي تستخدم كل منها فيه،وحجم المعاملات التي يتم تمويلها باستخدام كل منها، وحجم الاحتياطيات التي يحتفظ بها البنك المركزي المصدر لكل من هذه العملات، وعدد المستهلكين الذين يستخدمون كل عملة، وحجم المبادلات التجارية بين كل دول من دول مجلس التعاون التي يتم تسويتها بهذه العملات، نجد أن كافة المقارنات تصب في صالح الريال السعودي، وهو ما يرشح استخدام الريال السعودي كعملة موحدة بدلا من العملة الخليجية الموحدة.
المطلوب إذن وفقا لهذا المقترح ان يتم استبدال العملات المحلية لدول المجلس الأعضاء في الاتحاد النقدي الخليجي بالريال السعودي.
ولكن ما هي المبررات التي يمكن الاستناد إليها في تطبيق هذا المقترح؟
لقد أشرت في المقالات السابقة إلى أن هناك الكثير من المخاطر المصاحبة لإصدار عملة خليجية موحدة جديدة، ولعل بعض دول مجلس التعاون بدأت حاليا تعي لطبيعة هذه المخاطر بعد أزمة اليورو، وهو العملة الموحدة لدول أكثر قوة واستقرارا من الناحية الاقتصادية من دول مجلس التعاون، فما بالك إذا ما تعرضت دول المجلس لمخاطر مماثلة، وهي عرضة لمثل هذه المخاطر من وقت لآخر، وبصورة أكثر احتمالا من دول الاتحاد الأوروبي، ماذا سيكون الأثر على اقتصاديات دول المجلس.
شخصيا، لا أرى أي مبرر حاليا لإلغاء عملات الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي واستبدالها بعملة أخرى حيث لا يرجى أن يترتب على ذلك فوائد ملموسة في ظل تضاؤل حجم التجارة البينية وحركة انتقال رؤوس الأموال والأشخاص بين دول المجلس.
ومن وجهة نظري، إذا كانت دول المجلس تبحث بالفعل عن عملة موحدة فإن تبني الريال السعودي ربما يكون هو البديل الأمثل للعملة الموحدة، ذلك أن استعمال الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس يعد أفضل من إنشاء عملة جديدة، وذلك للأسباب الآتية:
1. أن المملكة العربية السعودية هي الدولة صاحبة النفوذ الأقوى داخل المجلس، سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية السياسية،وهو نفوذ يفوق حاليا تأثير ألمانيا في الاتحاد النقدي الأوروبي، لا بد وأن نعترف بهذه الحقيقة.
2. أن الاقتصاد السعودي هو أقوى اقتصادات المنطقة من حيث الحجم والعمق وعدد المستهلكين وحجم قوة العمل وكبر حجم السوق إلى آخر هذه المؤشرات الاقتصادية الهامة، حيث يتم فيه إنتاج أكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي لدول مجلس التعاون في المتوسط،وهو ما يضفي قوة استقرار أكبر للريال السعود، بدلا من إنشاء عملة جديدة يحيط بها كثير من عوامل عدم التأكد، وتتأثر بما يدور في اقتصاديات كل دولة من دول الاتحاد النقدي كل على حدة.
3. أن الريال السعودي يسانده رصيد كبير من الاحتياطيات الدولية السائلة أو شبه السائلة، خصوصا هذه الأيام، في ظل الفوائض التجارية الضخمة التي تحققها المملكة في ميزان مدفوعاتها، والتي تمكن المملكة من التدخل في الوقت المناسب لحماية الريال ضد مخاطر تقلب معدلات صرفه أمام العملات الرئيسية في العالم، وضمان استقرار معدلات صرفه عند المستويات المستهدفة في مقابل تلك العملات.
4. أن الريال السعودي يتمتع بشكل عام بدرجة عالية من الاستقرار في أسواق الصرف الأجنبي، خصوصا في مقابل الدولار الأمريكي عملة الربط الرئيسية لدول المجلس، وهو ما يجنب دول المجلس مخاطر عدم الاستقرار الذي يمكن أن تتعرض له العملة الخليجية الموحدة في أسواق النقد الأجنبي بها.
5. أن تبني الريال السعودي سوف يلغي الحاجة إلى إنشاء بنك مركزي خليجي، ومن ثم إزالة أسباب الخلاف حول الموقع والتي أدت إلى انسحاب الإمارات من مشروع الاتحاد النقدي، كما أنه لا يزال يمثل مصدرا كامنا للخلاف المستقبلي حول حصة كل دولة في موظفيه، وكيف ستدار عملياته، وكيفية تحديد معدل صرف العملة الموحدة، وغيرها من القضايا الأخرى الشائكة، في الوقت الذي نجد فيه أن مؤسسة النقد السعودي هي مؤسسة قائمة ومستقرة ولها خبرة طويلة في إدارة شؤون السياسة النقدية للمملكة منذ زمن طويل، وتتمتع بخبرة طويلة في إصدار وإدارة عرض الريال السعودي.
6. أن العملة الخليجية الموحدة المزمع إصدارها يحيط بها كثير من عوامل عدم التأكد، ومن ثم يمكن أن تمثل مصدرا كامنا لعدم الاستقرار النقدي في دول المجلس، خصوصا أن دول المجلس سوف تقوم باستبدال عملات قوية ومستقرة بعملة جديدة يحيط بها عديد من المخاطر الكامنة.
من وجهة نظري، فإن الأسباب السابقة تدعم مقترح إمكان تبني الريال السعودي كعملة خليجية موحدة بسهولة، هذا إذا كان الهدف الأساسي من تكوين الاتحاد النقدي هو إطلاق عملة موحدة للاستفادة من المزايا التي تقدمها تلك العملة لدول المجلس، وأن الدول الأعضاء في المجلس صادقة النية في تبني المقترح الأنسب للقيام باتحاد نقدي فيما بينها.
أنا أقدر أن عملية الاتفاق على تبني الريال السعودي كعملة موحدة لن تكون مسألة سهلة، بل وتتطلب من دول مجلس التعاون الاتفاق على مجموعة من القضايا ذات الحساسية. وأهم تلك القضايا:
1. الاتفاق على آلية لاقتسام إيرادات عملية إصدار الريال السعودي بين المملكة العربية السعودية والدول الأخرى الأعضاء المجلس، وهو إجراء تتبعه الدول الأعضاء في أي اتحاد نقدي تتفق على استخدام عملة إحدى الدول كعملة موحدة لها.
على سبيل المثال يقتسم البنك المركزي في جنوب إفريقيا إيرادات عمليات الإصدار مع الدول التي تستخدم الراند الجنوب إفريقي، أي مع ليسوتو وسوازيلاند وناميبيا أعضاء المنطقة النقدية المشتركة في إفريقيا.
وهناك عدة آليات يمكن استخدامها في هذا المجال على سبيل المثال نسبة الناتج المحلي الإجمالي في الدولة إلى إجمالي الناتج في دول الاتحاد النقدي، أو على أساس عدد السكان، أو على أساس نسبة عرض النقود إلى إجمالي عرض النقود في دول المجلس قبل الانضمام إلى الاتحاد النقدي مع تنمية الحصة بنسبة النمو في الناتج... الخ.
2. إضافة وظائف أخرى لمؤسسة النقد السعودي منها أن تصبح الملجأ الأخير للدول الأعضاء لتوفير احتياجات الائتمان المطلوبة في أوقات نقص السيولة لدى أجهزتها المصرفية، وأن تتولى رسم السياسة النقدية الموحدة التي تتناسب مع الظروف الاقتصادية السائدة في كافة دول المجلس، وليس في المملكة العربية السعودية فقط.
3. إعادة هيكلة إدارة المؤسسة بحيث تتكون من لجنة إدارة تضم موظفين من الدول الأعضاء، وفق نظام محدد للتصويت وفق حصص تصويتية محددة حسب عدد السكان أو نسبة الناتج المحلي إلى إجمالي الناتج في دول المجلس، وبآلية متفق عليها لإقرار السياسات النقدية المناسبة قبل تبنيها، على سبيل المثال بالإجماع أو بأغلبية محددة متفق عليها.
4. إعادة تصميم الريال السعودي بحيث لا يحمل أية صور لشخصيات تاريخية سعودية، منعا للحساسية التي يمكن أن تتولد عن ذلك لدى المواطنين في الدول الأخرى، الأعضاء في المجلس والتي يمكن أن تنشأ عن استخدام الريال السعودي بتصميمه الحالي.
5. إعادة صياغة نظام معدل صرف الريال السعودي من خلال سلة عملات تتوافق مع أوزان المبادلات مع شركاء التجارة في دول مجلس التعاون، بدلا من النظام الحالي القائم على الربط مع الدولار، لإحداث قدر أكبر من الاستقرار في معدل صرف الريال بالنسبة للعملات الأخرى غير الدولار الأمريكي.
أعلم أن المواطن الخليجي المقيم خارج المملكة قد ينظر إلى تبني الريال السعودي على أنه انتقاص من السيادة القومية لبلده وتبعيته للسلطات النقدية السعودية، وهو ادعاء في غير محله، ذلك أن تبني العملة الخليجية الموحدة المزمع إنشاؤها يحمل أيضا انتقاصا للسيادة القومية للدول الأعضاء في عملية إصدار العملة الوطنية لمصلحة البنك المركزي الخليجي. ولا ينبغي أن ننسى أن الهدف الأساسي من هذا المقترح هو تدنية المخاطر المحتملة للعملة الموحدة على الاقتصادات الوطنية لدول المجلس، وتعظيم المنافع الناجمة عن استخدام عملة موحدة مستقرة ومنخفضة المخاطر.
ما الفرق بين إصدار عملة جديدة يكون تأثير السعودية فيه الاكبر وبين تبني الريال السعودي مع اشراك الدول الصغيرة في ادارة مؤسسة النقد؟ أعتقد لا يوجد فرق يذكرسوى أن الاول يراعي شعور امراء الدول الصغيرة ومواطنيهم بعدم تبعيتهم للرياض. اقتراح ربما يكون الافضل لتسوية موضوع العملة لكنه يثير الحساسيات ولا أعتقد أنه سيكون مقبوللدى الدول الصغيرة.
شكرا أستاذ محمد ... بس أنا خايف عليك من هالمقترحات يكون مصير الرد عليها مثل مصير مقترحات عضو البرلمان الكويتي "النفيسي" عندما طالب بالوحدة مع السعودية ... المسكين صار بوق لهنري كيسنجر يررد أسطوانته البائسة على حد تعبير إحدى الصحف الخليجية في افتتاحيتها.
بصراحة وبحكم اني سعودي اشوف ان اخر من سيستفيد من هذه العملة هي السعودية وان الخاسر الاكبر هي السعودية مقارنة بمكاسب الغير لن تكسب السعودية الا الزعامة وكله مدفوع من قوت المواطن السعودي المسكين الذي سلب من كل حقوقه من بداية راتبه الضعيف بالمقارنة مع مواطني مجلس التعاون الى حجم الضرائب الكبير المتستر تحت مضلة مخالفة او رسوم او ..... للاسف نحن بني على اكتافنا دولة وعانينا كثيرا ... والان يريدونا ان نبني مستقبل 5دول اخرى ماقول الا كفاني عذاب الله يجازيك بافعالك...
تفكير منطقي وعقلاني ....في منطقة السيادة فيها للعاطفة ...... حيث ان سعادة الدكتور مستعد للخوض في الامور الخلافية .....فحبذا الدخول في موضوع مهم : هل النقد ( الدولار او غيره او العملات المحلية ) مستودع مطلق ومستقر للقيمة ؟ وبالتالي يجري عليه حكم الذهب شرعا...مثل الربا؟ ..... اخير الامم المتحدة حسب تلفزيون السي إن بي سي ذكرت بانه يجب ابدال الدولار كعملة احتياط لانه مستودع غير مستقر للثروة......