الدينار الخليجي

08/01/2012 3
ماجد الدعجاني

خلال مؤتمر القمة الخليجية الثانية والثلاثين التي انعقدت بالرياض الشهر الماضي، عرض خادم الحرمين الشريفين على زعماء الخليج الاتحاد بدلاً من التعاون، نظراً للظروف السياسية الراهنة في المنطقة. ومن البيان الختامي للقمة، قرأت كلمة الكونفدرالية، وهي أقرب للنموذج الأوروبي منه للنموذج الفيدرالي (الاتحادي) الأميريكي أو الإماراتي.

هذا الاتحاد، بالرغم من أهميته الاستراتيجية، خاصةً فيما يتعلق بالتجارة البينية والعمل والإيرادات الجمركية وغيرها، يستدعي إنجاز العديد من المتطلبات المسبقة، منها توحيد السياسات الاقتصادية (خاصة ًالسياسات المالية والنقدية). وفي حين أن أوروبا - وبالرغم من معاناتها الحالية – استطاعت توحيد سبعة عشرة دولة، بلغاتٍ مختلفة ومستويات معيشة متفاوتة وأسعار صرف معوّمة، في عملة واحدة. ومع أن هذه العملة تتجه للفشل الجزئي مالم يتم فصل الاتحاد إلى مستويين بناءً على درجة الكفاءة الاقتصادية، إلا أن أسباب فشل العملة الأوروبية الموحدة غير موجودة في الخليج.

قد يكون لدينا نفس الوضع في حال كانت اليمن أو العراق أو الأردن أو المغرب أو غيرها من الدول الأقل دخلاً عضواً في الاتحاد الجديد، لكن كون المجلس (الاتحاد الخليجي) يتكون من ست دول غنية ومتجانسة من حيث مكونات الاقتصاد ومستويات الدخل والدين العام ومستوى التضخم، فإنني أرى دول الخليج أقرب ما يكون للنجاح في إصدار عملة خليجية موحدة قويّة بديلة للعملات الست الحالية، مدعومةً بأكثر من تريليون دولار أميريكي من الأصول الخارجية، وحوالى 1.5 تريليون من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى فائض كبير في الميزانيات وفي الحساب الجاري.

لذا، فإنني أود في هذا المقال القصير عرض عددٍ من الاقتراحات الفنية المتعلقة بالعملة الجديدة والتي لم يتم إعلان اسمٍ لها حتى الآن، في حين كان من المفروض أن تبدأ التداول خلال الأيام القليلة المقبلة.

أولاً: التسمية:

بالنظر إلى العملات الخليجية الحالية، نجد أن نصفها تسمى بالريال واثنتان تسميان بالدينار وواحدة تسمى بالدرهم، وبدون الإطالة في أصل التسمية وهي جميعاً أسماء أوروبية (فالريال أصلها Real وتعني الملكي بالإسبانية، والدرهم أصله كلمة Drachma وهي عملة إغريقية قديمة والدينار أصله كلمة Denarius وهو اسم عملة رومانية قديمة أيضاً)، بالنظر إلى ذلك كله فإنني أقترح تسمية العملة الجديدة "الدينار الخليجي" على أن تتكون من عشرة دراهم وكل درهم يتكون من عشرة فلوس (وبالتالي الدينار يتكون من مئة فلس). أما لماذا اخترت هذه التسميات، فالسبب الرئيس أنها وردت في القرآن الكريم، كما أنها كانت التسميات السائدة في جميع العصور الإسلامية، بالإضافة إلى أن هناك الدينار العربي والدينار الإسلامي والكثير من الدول العربية تعتمد الدينار عملة وطنية.

ثانياً: الفئات:

أقترح أن تكون العملة المعدنية من فئات (فلس، ربع درهم، نصف درهم، درهم، درهمان)، على أن يصك الفلس من معدن مختلف عن معدن الدرهم وأجزاءه؛ وأن تكون العملة الورقية من فئات (ربع دينار، نصف دينار، دينار، خمسة دنانير، عشرة دنانير، عشرين ديناراً، وخمسين ديناراً) فقط، كما في الجدول رقم (1).

ثالثاً: المحتويات:

بالنسبة للعملة المعدنية، أقترح إصدار شعار Logo للاتحاد الجديد يوضع على وجه من وجهي العملة المعدنية، على أن يحوى الوجه الآخر فئة العملة وتاريخ ومكان صكها. أما العملة الورقية فأقترح وضع صورة الحرم الشريف على واجهة أكبر فئة (50 دينار)، يليه الحرم النبوي (20 دينار)، ثم المسجد الأقصى، فمسجد قباء، وهكذا، على أن يحتوي ظهر الورقة معلماً حضارياً وطنياً شهيراً، مثل أبراج الكويت، استاد الملك فهد، وغيرها.

رابعاً: سعر الصرف:

هذا هو السبب الأساس الذي دعاني لكتابة هذا المقال، فالعملات الخليجية مقوّمة – من وجهة نظري - بأقل من قيمتها الحقيقية، نظراً لربطها بالدولار الأميريكي الذي فقد الكثير من قوته الشرائية. وبالرغم من أن تعويمها سينعكس بشكل مرغوب على شعوب الخليج حيث يتوقع أن ترتفع بشكل كبير نظراً لقوة الاقتصاد الخليجي ومتانة احتياطياته الخارجية ولوجود أكثر من نصف احتياطي العالم من النفط تحت أقدامنا، إلا أنني أقترح إبقاء الربط بالدولار الأميريكي للعملة الجديدة لفتر خمس سنوات على الأقل أو حتى عام 2020م. هذا الاستمرار في الربط سيلغي مُعامل "مخاطر أسعار الصرف" للمستثمر الأجنبي، وهو من أسباب تدفق الاستثمار الأجنبي في الخليج. إلا أنني أقترح أن يكون ربط العملة الخليجية بالدولار بسعر صرف جديد يمثّل زيادة قدرها 20% في سعر صرف كل عملة مقابل العملة الأميريكية كما هو موضح في الجدول رقم (2). فسعر صرف الريال حالياً يبلغ 3.75 ريالاً للدولار الأميريكي الواحد، أي 0.266 دولاراً للريال السعودي الواحد، وبموجب التغيير الجديد سيكون سعر صرف الريال يبلغ 3 ريالات للدولار أي 0.333 دولاراً للريال. وهكذا بالنسبة لبقية العملات الست.

خامساً: سعر العملة:

بناءً على الفقرة السابقة أقترح أن يكون سعر صرف العملة الجديدة (الدينار الخليجي) يعادل 4 دولارات أميريكية، أي أن الدولار الأميريكي يعادل 0.25 دينار خليجي أي 2.5 درهم خليجي أو 25 فلس خليجي. وبالتالي فإن العملة الجديدة ستكون أكبر عملة من حيث سعر الصرف (بعد إلغاء الدينار الكويتي طبعاً)، كما أنها ستكون من أقوى العملات من حيث القاعدة الاقتصادية.

سادساً: توقيت التداول:

أقترح أن يتم إعلان أسعار الصرف الواردة في الجدول وفي الفقرتين السابقتين في نهاية أسبوع (مساء الجمعة) ويفضل خلال فترة إجازة (العيد مثلاً) على أن تعلن مرّة واحدة عن طريق البنك المركزي الخليجي للعملات الحالية (وأتمنى أن يكون ذلك في العام القادم 2012م)، على أن يلغى ربط الدينار الكويتي بسلة العملات المرتبطة به، وتربط جميع العملات بالدولار بأسعار الصرف الجديدة والتي تمثل 20% زيادة في قيمة تلك العملات مقابل الدولار، ثم يتم طرح العملة الجديدة بعد ذلك بستة أشهر على أن يتم تداولها في جميع الدول الست جنباً إلى جنب مع العملة المحلية، ثم يتم سحب العملات المحلية تدريجياً – وبإشراف البنك المركزي الخليجي – خلال سنتين.

سابعاً: التأثير السلبي والإيجابي للعملة الجديدة:

بالنسبة للشعوب والتجار فإن التأثير سيكون إيجابياً بحيث ترتفع مستويات دخولهم وثرواتهم بمقدار أقل بقليل من 20% بناءً على المحتوى المستورد في مشترياتهم، فمثلاً السيارة الأميريكية التي كانت تكلف 120 ألف ريال ستصبح تكلفتها بحدود 100 ألف ريال، وبالتالي كأن مستوى دخل المشتري قد ازداد بمقدار 20%، هذا سيؤدي بالضرورة إلى عكس التضخم المستورد من الدول غير المرتبطة بالدولار، خاصة أوروبا واليابان.

إلا أن التأثير السلبي هو انخفاض قيمة الأصول المقوّمة بالدولار الأميريكي، فنسبة كبيرة من احتياطيات مؤسسة النقد العربي السعودي مثلاً تتمثل في سندات وأذونات الخزانة الأميريكية، فانخفاض الدولار الأميريكي بنسبة 20% مقابل الريال يعني بالضرورة خسارة ما يعادل حالياً 300 إلى 400 مليار ريال من قيمة الأصول الدولارية التي تمتلكها المؤسسة، هذا ليس سبباً – من وجهة نظري – لرفض إعادة تقييم العملة، بل هو حافز لإعادة توزيع تلك الاستثمارات في أصول مختلفة (منخفضة وعالية المخاطر) مقوّمة بعملات مختلفة، على أن تتولاها هيئة استثمار مستقلة عن مؤسسة النقد، لتدير تلك الاحتياطيات من خلال صندوق استثمارات سيادي يستثمرها في الفرص الاستثمارية المتواجدة بالآلاف حالياً في كافة أنحاء الأرض، كما هو حال هيئات الاستثمار في كلٍّ من أبي ظبي وقطر والكويت.

كما أن من الفئات المتضررة أيضاً القطاعان الصناعي والسياحي، إلا أن ذلك حافز للقطاع الصناعي للعمل بكفاءة أكبر للمنافسة مع القطاع الصناعي الأوروبي والأميريكي والياباني التي تصدّر بضائع بمئات المليارات بالرغم من تكلفتهم العالية مقارنةً بالاقتصاد الصيني. إضافة إلى أن فرنسا، وبرغم الغلاء الفاحش فيها، تظل الوجهة الأولى للسياحة في العالم. فارتفاع سعر العملة أو غلاء تكلفة المعيشة ليس سبباً لطرد السياحة الخارجية طالما كانت المقومات السياحية موجودة – وبجودة عالية – على أرض الواقع.

ثامناً: النظرة المستقبلية:

بعد سحب جميع العملات الحالية واعتماد العملة الخليجية الجديدة ودمج جميع مؤسسات النقد والبنوك المركزية الستة في بنك مركزي خليجي واحد وبعد توحيد السياسات النقدية والمالية للاتحاد الجديد، أقترح تسعير النفط الخليجي بالعملة الخليجية، لخلق طلب عالمي على العملة، على أن يكون ذلك بعد عام 2017م ولمدة عامين أو ثلاثة، حتى عام 2020م، وبدايةً من يوم 1 يناير 2021م أقترح تعويم العملة الخليجية، مع مراقبتها والتدخل في حال ارتفاعها أو انخفاضها بنسبة تزيد عن 5% خلال شهر، على أن تستمر تلك المراقبة لعشر سنوات تالية.