كان يوم أمس السبت الموافق لـ 15/5/2010 اليوم الأخير من أيام موسم الإفصاح الأول لعام ألفين وعشرة، ومع نهاية هذا الموسم يمكن لنا - وبعد شيء من التدقيق بمجرياته واستعادة ما دار خلال خمسة وأربعين يوما مضت - رصد أهم سماته والتي لم تختلف كثيرا عن مجريات المواسم الثلاثة السابقة اللهم إلا في جوانب قليلة فإفصاح شركة إعمار العقارية لم يكن بذات البريق الذي ألفه المستثمرون خلال السنوات السابقة وإنما جاء عاديا جدا بل وجاء بلا تأثير يذكر حيث تلاشى تأثير هذا الإفصاح بعد جلسة واحدة وعاد السوق إلى طبيعته الهادئة وكأن شيئا لم يكن وفي هذا إشارة قوية على أن مضاربي سهم إعمار متذمرون ومحبطون وربما مصابون بالإنهاك لأسباب كثيرة قد لا يكون من المناسب البحث فيها الآن.
إذا كان تفاعل المضاربين مع إفصاح إعمار باهتا إلى هذه الدرجة – والكل يعرف أهمية إعمار - إذن ليس غريبا أن يكون تفاعل المضاربين مع إفصاح الشركات الأخرى أقل اكتراثا وأكثر تجاهلا فالنتائج سواء أكانت سلبية أو إيجابية لم تتمكن من تحريك شهية المضاربين الذين التزموا الحياد فلا الأرباح دفعتهم للشراء بكثافة ولا الخسائر دفعتهم للبيع العشوائي. وهذه سابقة تسجل للمضاربين لأن أمرا كهذا لم يكن يحدث في الماضي إلا نادرا.
ما زال الكثير من مجالس إدارات الشركات يؤمن بـ "الغموض الإيجابي" وهو مصطلح يعكس مدى استهتار هذه المجالس بعقول المساهمين، وإلا فكيف يمكن لأي كان – رئيس مجلس إدارة، مدير مالي، مدقق خارجي، محلل - أن يفسر لنا قيام شركة ما بالإفصاح عن نتائجها المالية الربع سنوية ببيان صحفي مقتضب لا تتجاوز مساحته ربع صفحة من قياس E4.. وهل ذكر الأرباح دون معرفة مصدرها يكفي ؟..أو هل يكفي أن تعطينا الشركة رقما ما وتقول هذه هي أرباح السنة ؟.. طيب حتى لو آمن المساهم أن الأرباح حقيقية .. أليس من حقيه أن يعرف من أين جاءت هذه الأرباح ؟ .. هل جاءت من إعادة تقييم عقار؟.. أم جاءت من التلاعب بسعر الموجودات الثابتة؟ .. أم نتيجة لبيع قطعة أرض ممنوحة من الدولة للشركة ؟.... أليس من حقه أن يعرف إن كانت أرباح تشغيلية؟.. أو أرباح لمرة واحدة فقط؟ ..بل والأدهى أن إحدى الشركات أعلنت عن أرباح ضخمة من جهة وانخفاض أضخم في حقوق المساهمين وهكذا تاه المساهم فلا هو عارف إن كان سهمه رابحا ولا هو عارف إن كان سهمه .. فأي إفصاح هذا بالله عليكم؟ .. من المؤسف القول أن موسم الإفصاح المنصرف كشف عن الكثير من نوايا التضليل المتعمد من مجالس إدارات بعض الشركات تجاه المساهمين.
إن سلوك الرؤساء التنفيذيين للشركات المساهمة العامة في هذا الموسم لم يتغير كثيرا عن المواسم الثلاثة السابقة فمعظمهم تحاشى وسائل الإعلام كأنه على خصام معها واكتفى بالاختباء خلف بيانه الصحفي المتضمن الإفصاح الربع السنوي لأنهم يعرفون أن بضاعتهم مغشوشة ويمكن بسهولة كشف مواطن الغش فيها وللأمانة والإنصاف فإن الوحيد من الرؤساء التنفيذيين الذي نشط خلال موسم الإفصاح الأخير بشكل غير عادي هو الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات المتكاملة "دو" الذي حمل بضاعته – وهي بضاعة جيدة إلى حد ما - وجال فيها على عدد من المحطات التلفزيونية – التي دعته – الموجودة في مدينة دبي للإعلام مجيبا على الأسئلة المطروحة في بادرة تحتاج للتعزيز والتأكيد في المواسم القادمة. وأن لا تكون بادرة يتيمة أو تسويقية مرتبطة بالترويج لإصدار أسهم حقوق أولوية فحسب.
تعودنا في مواسم الإفصاح السابقة على ظهور شائعات مؤثرة على أداء الأسهم المستهدفة لكن هذا الموسم كان شبه خال من الشائعات باستثناء أعداد قليلة منها لم تمتلك القوة الدافعة لتحريك الأسهم - كما كان يحصل في المواسم السابقة - وبقي تأثيرها محدود جدا وهذه إشارة إلى غياب "الهوامير " و"الأجانب "عن السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية لأن من يصب الزيت على نار الشائعات هم "الهوامير " وبعض صناديق الاستثمار الأجنبي التي غالبا ما تستفيد من ترويج الشائعات وتأجيجها.
لكل موسم إفصاح عيوب وحسنات وعيوب هذا الموسم أكثر من حسناته ومسئول الرقابة مطالب بتعزيز مفهوم الحوكمة وبالمزيد من الصرامة مع الشركات المساهمة العامة وإذا كانت هذه الشركات تتملص من مسؤولياتها في تقديم البيانات المالية الكاملة للمساهمين فإن دور مسئول الأوراق المالية فرض نماذج إفصاح تتضمن كل المعلومات والبيانات المالية الهامة بل وإلزام الشركات بتقديم الميزانيات سواء أكانت مدققة أو غير مدققة بالتزامن مع الإفصاح كما أن مسئول الأوراق المالية مطالب أيضا بالضغط على الشركات التي تجاهلت الفترة الزمنية المحددة للإفصاح وبعض هذه الشركات - دون ذكر أسماء- اعتاد على تجاهل تعليمات الجهات الرقابية بشأن الإفصاح وأصبح يفصح وقت يشاء والخوف ليس ممن يتأخر بالإفصاح حاليا لأنهم قلة وإنما الخوف من أن يتحول تأخير الإفصاح لـ "موضة" ويكثر عدد الراغبين مستقبلا بالإفصاح على هواهم ومزاجهم الخاص.