الإفصاح الأعمى للشركات

03/03/2024 0
ثامر السعيد

خلال عام واحد تغيرت ظروف سائدة من الأموال قليلة تكلفة، التي استمرت منذ الأزمة المالية العالمية 2008 بعد خفض سعر الفائدة والمحافظة عليها قريبة من الصفر، أسهم في زيادة النقد المتوافر للاستثمار والاستهلاك من وقتها. أسهمت هذه الوفرة النقدية في زيادة الشهية الاستثمارية وأخذ المخاطر لدى شريحة عريضة من المستثمرين، فازدهرت سوق صفقات الملكية الخاصة، الاستثمار الجريء، تملك الأسهم، بل حتى الطروحات العامة وصلت إلى أعداد قياسية لم تعشها الأسواق في سنوات طويلة، حتى إن الأسواق العالمية طورت آلية جديدة بإنشاء شركات حاضنة لشركات مقبلة على الإدراج SPAC. جاء هذا كله بسبب الوفرة النقدية والإقبال من المستثمرين، وهذا سلوك معتاد في الأسواق، فكلما كانت الأنفس جيدة والنقد متوافرا ازدادت شهية الشركات للإدراج وارتفعت شهية المستثمرين للمشاركة.

كثيرة هي الأسباب التي تدفع الشركات إلى الطرح، وبالإمكان تقسيم ذلك إلى مواسم ترتبط بتكلفة التمويل للتوسعات، كونها أحد أهم أسباب الطروحات العامة، فأسواق المال تمثل أداة من أدوات التمويل للشركات، عند احتساب الشركات لسبل التمويل المتاحة إن كانت مصرفية أو ذاتية أو من خلال الطرح العام، عادة الشركات تتجه إلى التمويل الأنسب الذي يحفظ لها قدرتها على التوسع والاستدامة بهوامش ربحية وعوائد جيدة تخدم الشركة ومساهميها. إضافة إلى ذلك فإن الشركات تتجه إلى الطرح لزيادة مستوى الحكومة فيها وتعزيز قدرة الشركاء على تسييل أو رهن جزء من هذه الملكية، كذلك فإن الإدراج يحفظ لهذه الشركات الاستدامة والاستمرارية. 

يتيح الإدراج للمستثمرين المشاركة في شركات متنوعة وذات طبائع مختلفة، ويبقى الالتزام الأهم لأعضاء مجالس الإدارة والإدارات للشركات تعزيز تنمية الثروة للمساهمين من خلال تعظيم الأرباح، الذي ينعكس على القيمة السوقية للشركات ورغبة حاملي الأسهم في الإبقاء عليها، وكذلك عبر التوزيعات النقدية التي تقررها الشركات للمستثمرين فيها، مع ضرورة الاستدامة لهذه العوامل مجتمعة. 

تسعى منظومة تداول لتعزيز وصول الشركات إلى السوق من خلال الإدراج، وهو جزء أصيل من دور السوق المالية، وبالمثل مع أي بورصة أخرى تلعب الشركات الاستثمارية دورا مهما في التهيئة للإدراج. تدرج الشركات وتشهد إقبالا عاليا في أيامها الأولى إذا كان الاتجاه العام للسوق متفائلا ومطمئنا. 

يعد التحول إلى شركة مساهمة عامة مرحلة مهمة في عمر الشركة، إلا أنه يمثل الخطوة الأولى في طريق تعظيم دور الشركة وأرباحها وثروات المساهمين فيها، الذي يأتي بتعزيز الأعمال والأرباح وتقدير تطلعات المستثمرين. في السنوات الأخيرة شهدت السوق المالية تداول طروحات متعددة بأعداد قياسية وأرقام كبرى حفزتها طروحات أكبر، لصندوق الاستثمارات العامة والخصخصة دور في تعزيز قاعدة السوق. هذا كله يبقي التحدي الأهم أمام الشركات المدرجة في آلية التخاطب والوصول إلى جمهور المستثمرين بشكل لا يخل بالنظام ولا يبعد المستثمرين عن مشهد أداء الشركة، هذا الدور تلعبه الإدارة التنفيذية بمساعدة إدارة علاقة المستثمرين وجودة الإفصاح المقدم إلى السوق، في ظل الطروحات الكثيرة وأيضا الخبرة الضئيلة لدى شركات كان لها سبق الإدراج، وقل الاهتمام بالتواصل مع عموم المستثمرين، أسهم ذلك في تراجع حلقة الوصل بين المستثمر والشركة. تلعب إدارات الأبحاث في الشركات الاستثمارية دور الربط بين المستثمرين والشركات وكذلك المؤتمرات المتخصصة لها نفس الدور، ويلفت الانتباه تراجع الحرص على المشاركة الفاعلة، بل إنه قد مر على تاريخ تداول شركات قدمت إعلانات لا تسمن ولا تغني من جوع. إن ثقافة التواصل مع جمهور المستثمرين ضرورة واجبة لتعزيز مكانة الشركات.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية