على الرغم من اتفاق الدول الأوروبية هذا الأسبوع على خطة لإنقاذ اليونان المالية، وعلى رفعها لإجتماع رؤساء الدول لإقرارها في عطلة نهاية الأسبوع، فإن الخوف من عدم إقرار الخطة، ومن تداعيات رفض الشارع اليوناني لبرامج التقشف المصاحبة لها، قد ألقى بظلاله على اسواق المال العالمية كافة، وعلى سعر صرف اليورو مقابل الدولار. وازداد الأمر سوءاً من مخاوف لها ما يبررها من أن لا تكون أزمة اليونان آخر الأحزان الأوروبية، بل يمتد لهيبها الى دول كأسبانيا والبرتغال وإيطاليا.
وقد ضغطت هذه المخاوف على سعر صرف اليورو الذي تدهور سعره إلى 1.27 دولار لحظة كتابة هذا التحليل، أي بانخفاض نسبته %8 في شهر و 17% منذ نوفمبر الماضي. وكان لمشكلة تلوث خليج المكسيك في الولايات المتحدة بالنفط المتدفق من أعماق الخليج، وتحميل شركة البترول البريطانية نفقات إزالة البقع النفطية وتعويض المتضررين بما يقدر بمليارات الدولارات أثر مضاعف على سهم الشركة وعلى مؤشرات الأسهم في سوق لندن، وعلى معدلات النمو الاقتصادي في الربع الثاني.
وفي ظل هذه الأجواء أقدمت محافظ الأسهم الأجنبية على البيع الصافي في أسواق دول مجلس التعاون ومن بينها بورصة قطر فتراجعت أسعار الأسهم والمؤشرات بشكل ملحوظ. وفي بورصة قطر على سبيل المثال اشترت المحافظ هذا الأسبوع بما نسبته 11.43% من إجمالي قيمة الأسهم المشتراه، وباعت بنسبة 19.76%، وكان الأفراد قطريون وغير قطريين والمحافظ القطرية في حالة شراء صافي. وقد تركزت عمليات البيع على قطاعات البنوك والصناعة والخدمات فانخفضت مؤشراتها القطاعية بنسب 2.8% و 2.7% و 1.8% على التوالي.
وقد شذ قطاع التأمين عن بقية القطاعات وسجل ارتفاعاً كبيراً بنسبة 26.1%. ولم يكن هناك مبرر واضح لهذا الارتفاع الكبير في هذا الوقت بالذات ولهذا القطاع دون سواه، صحيح أن أرباح شركات التأمين في الربع الأول كانت جيدة، ولكنها ليست استثنائية، وإذا جاز لي أن أُخمن سبباً، فقد يكون أن أسهم شركات التأمين قد تعرضت لعمليات شراء مكثفة من جانب محافظ أجنبية ومحلية دون أن يقابل ذلك عمليات بيع مكثفة من المحافظ الأجنبية. وقد تكرر ذلك الأمر على أسهم شركات بعينها وخاصة فودافون والرعاية والطبية، فهذه الشركات لم تحقق أو توزع أرباحاً ، وقد لا تفعل ذلك قريباً، ولكن أسعار أسهمها ارتفعت بشكل يخالف كل التوقعات المبنية على التحليل الأساسي.
وبالنتيجة، فإن أسعار أسهم 27 شركة من الشركات المدرجة في البورصة قد انخفضت هذا الأسبوع، مقابل ارتفاع أسعار أسهم 15 شركة فقط، وبقاء سعر سهم شركة واحدة بدون تغير، وأسفر ذلك عن تراجع المؤشر بما مجموعه 173.2 نقطة ليصل إلى مستوى 7374 نقطة.
ولم يتمكن حاجز 7500 من توفير الدعم اللازم للمؤشر لأكثر من ثلاثة أيام، وتمكن المؤشر بفعل ضغوطات البيع من كسر الحاجز وتجاوزه سريعاً، وأفشل بذلك إمكانية الإرتداد إلى أعلى وإكمال حرف دبليو الذي كان على وشك أن يتكون لفترة الثلاثة أسابيع الماضية منذ منتصف أبريل. وهذا التراجع القوي للمؤشر والذي جاء لاعتبارات خارجية كما رأينا، قد فتح الباب أمام مزيد من التراجع في الأسعار، بحيث قد يصل المؤشر في الأسبوع القادم إلى مستوى 7290 نقطة، وإذا كسرها فقد ينخفض أكثر إلى مستوى 7000 نقطة.
وتظل الأنظار مسلطة خلال عطلة نهاية الأسبوع على مصير حزمة إنقاذ اليونان من ورطتها، وعلى ردة فعل الأسواق الأمريكية والأوروبية على التطورات، فإذا تمكن الرؤساء الأوروبيون من إنجاز اتفاق تاريخي يحفظ للاتحاد النقدي هيبته ولليورو قوته، فإن مؤشرات الأسهم العالمية سوف تتماسك وتتوقف عن الانخفاض، وإن كان من غير الضروري أن تعود إلى الارتفاع بقوة ثانية قبل صدور بيانات أو أخبار تضع أسعار الأسهم والمؤشرات على طريق الارتفاع من جديد. وستكون أنظار المتعاملين في منطقة الخليج مركزة على ردة فعل السوق السعودي يوم السبت على التطورات العالمية المتلاحقة.
على أن ما يحدث في البورصة القطرية من انخفاض في المؤشر وتراجع في أسعار أسهم كثير من الشركات في هذه الفترة، ما هو إلا فرصة مواتية للشراء وبناء مراكز جديدة لمن قام ببيع ما لديه من أسهم في وقت سابق. ولأن نتائج الشركات المساهمة كانت بوجه عام جيدة في الربع الأول، ولأن الاقتصاد القطري يحقق معدلات نمو هي الأعلى في العالم خلال عام 2010، لذا فإن الموقف مطمئن، ومن غيرالمتوقع أن يحدث تراجع كبير في أسعار أسهم الشركات القطرية، وحتى لو استمر التراجع لأسبوع آخر، فإن المؤشر سيعود غالباً للتماسك والاستقرار بتأثير عمليات شراء عكسية في وقت لاحق، فمن غير المنطقي أن ترتفع أسعار أسهم شركات لا تحقق ارباحاً، وتنخفض أسعار أسهم شركات أخرى ستوزع عوائد جيدة في نهاية الموسم. ولو فرضنا أن شهر مايو فرصة للمضاربين للبيع ومراجعة الحسابات، فإن شهر يونيو الذي يحل بعد أسابيع قليلة يكون فرصة لتوقع نتائج الشركات في الربع الثاني، ومن ثم تحدث عمليات الشراء المنتظرة وترتفع الأسعار.
ويظل ما أشير إليه هنا وفي كل مقال أكتبه على أنه رأي يحتمل الصواب والخطأ، وإن كنت أميل إلى ترجيح صواب ما أقوله باعتبار أنه في كثير من الأحيان يكون مبنياً على شواهد ومؤشرات لا تُخطئها العين،،،،، والله أعلم.