معلوم أن الجهاز المصرفي من أهم الأجهزة الاقتصادية التي تساند القطاعات الإنتاجية والخدمية وتوزع بينها ومنها وإليها السيولة اللازمة لعملياتها، وبدونه تتعطل الحياة الاقتصادية المعاصرة، وتصاب كافة المرافق بالشلل. ومن هنا كان اهتمام الحكومات في جميع أنحاء العالم بإنقاذ البنوك من تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، وأنفقت حكومة دولة قطر عشرات المليارات من الريالات في عام 2009 من أجل تحقيق هذه الغاية . ومن هنا يبدو من الضروري متابعة الأرقام التي يصدرها مصرف قطر المركزي بصورة دورية وخاصة الأرقام الشهرية للميزانية المجمعة للبنوك للتعرف على حقيقة وضع الجهاز المصرفي. وتفصل هذه الميزانيات أوضاع البنوك في نهاية كل شهر ميلادي بما في ذلك إجمالي موجوداتها أي المجالات التي تم توظيف الأموال بها، وإجمالي المطلوبات أي بيان مصادر الأموال التى توافرت لديها .
وقد صدرت قبل يومين الميزانية الشهرية المجمعة للبنوك لشهر مارس وتبين منها أن إجمالي الموجودات(والمطلوبات) قد ارتفعت في شهر مارس بما نسبته 4.7% لتصل إلى 487.3 مليار ريال. وتعد هذه الزيادة من الزيادات الكبيرة لأن معناها ببساطة – لو استمر الحال كذلك في بقية شهور السنة- أن تسجل الموجودات زيادة بنسبة تزيد عن 50%، وبالتالي يكون الجهاز المصرفي قد عاد سريعاً للنمو بنفس وتيرة معدلات النمو في سنوات الطفرة في الفترة ما بين 2004-2008. ولكن هل نمت كل بنود الميزانية بنفس المعدل أم تباينت معدلات نموها ما بين بند وآخر؟
أولاً: في بند الموجودات: تتوزع موجودات المصارف عادة ما بين عدة جهات رئيسية هي التسهيلات الائتمانية والتمويلات المقدمة للعملاء، والاستثمارات في مجال الأوراق المالية والنقد والذهب، وإلى حد ما في العقارات والموجودات الثابتة، والودائع لدى البنوك الأخرى داخل قطر وخارجها ،والودائع لدى مصرف قطر المركزي . وقد شكلت التسهيلات والقروض المقدمة للعملاء ما نسبته 59.5% من إجمالي موجودات البنوك في نهاية مارس بزيادة نسبتها 1% فقط عن نهاية شهر فبراير لتصل إلى 289.7 مليار ريال . وقد كان معظم هذه التسهيلات موجه إلى داخل قطر حيث بلغ الائتمان المحلي نحو 273 مليار ريال بزيادة بنسبة 1.7% عن فبراير، في حين انخفضت القروض للخارج بنسبة 8.7% إلى 16.7 مليار ريال . ونستخلص من ذلك أن هناك توسعاً في الإقراض المحلي بنسبة معقولة تعادل على معدل سنوي ما نسبته 20% على الأقل،مع تراجع في الإقراض الخارجي ربما لأن الفرص المتاحة في الداخل تبدو أفضل) .
ولو تتبعنا أين ذهبت الزيادة في الائتمان المحلي لوجدنا أن القروض والتمويلات الاستهلاكية الموجهة للأفراد قد ارتفعت بنسبة 4.9% في مارس إلى 55.9 مليار ريال- وذلك يعادل 59% على معدل سنوي، الأمر الذي يُنذر بعودة التضخم بقوة لو استمر بنفس الوتيرة في الشهور القادمة. كما نشطت القروض العقارية وارتفعت بنسبة 3.6% عن شهر فبراير لتصل إلى 48.6 مليار. ولوحظ أن قروض التجارة انخفضت في نفس الفترة بنسبة 2.3% إلى 26 مليار ريال مع استقرار قروض الخدمات والصناعة والمقاولين .
ومن جهة أخرى نجد أن موجودات البنوك الموظفة في الأوراق المالية قد ارتفعت في مجملها بنسبة 3% إلى 54.5 مليار ريال وقد ذهب معظم هذه الاستثمارات إلى السندات بأنواعها حكومية وأجنبية ونقدية(من مصرف قطر المركزي). وشهدت الاستثمارات في الأسهم المحلية زيادة بنسبة 24.8% بعد قرار السماح للبنوك الوطنية في التداول بالأسهم بحيث وصل المبلغ المستثمر إلى 1.1 مليار ريال . ويعود جزء من هذا المبلغ بالطبع إلى البنوك غير الوطنية، مما يعني أنه لا زال أمام البنوك الوطنية الثمانية مجال لزيادة استثماراتها في الأسهم المحلية. ولدى البنوك استثمارات طويلة الأجل (حصص في شركات أخرى وغيرها) ارتفعت في فبراير بنسبة 13.3% إلى 18.8 مليار ريال .ثم إن ودائع البنوك لدى بنوك أخرى قد زادت في شهر مارس بشكل ملحوظ؛ فمن ناحية زادت الودائع لدى البنوك المحلية بنسبة 44.5% إلى 29.7 مليار ريال، كما زادت الودائع لدى البنوك في الخارج بنسبة 12.2% إلى 38.1 مليار ريال. ولوحظ أن ودائع البنوك الخارجية لدى بنوك قطر قد انخفضت في نفس الفترة بنسبة 30% إلى 46.5 مليار ريال .
وأخيراً نجد أن جملة ودائع البنوك لدى مصرف قطر المركزي قد ارتفعت في مارس بنسبة 11.6% لتصل إلى 42.8 مليار ريال، منها 12.6 مليار ريال رصيد الاحتياطي الإلزامي، و 30.2 مليار ريال- بزيادة نسيتها 14.8% عن شهر فبراير- في صورة حسابات حرة لمواجهة عمليات المقاصة، وفي صورة ودائع قصيرة الأجل بفائدة المصرف البالغة 2%. ويذكرنا هذا الرقم بالمستويات التي وصلها في فترة الذروة، ويُنذر بالتالي بزيادة سريعة في معدل التضخم؛ لأن هذا المبلغ المتاح للبنوك يمثل فائض السيولة المتاحة ويمكن استخدامه للتوسع في الإقراض .
ثانياً: المطلوبات: تشكل ودائع العملاء أهم جزء في مطلوبات البنوك، وقد ارتفعت في شهر مارس بنسبة 1.7% إلى 271.5 مليار ريال. كما تشتمل المطلوبات على ما مجموعه 70.6 مليار ريال لرؤوس أموال البنوك المدفوعة والاحتياطيات والأرباح غير الموزعة، بزيادة بنسبة 3.1% عن فبراير. وبلغت جملة المخصصات مقابل ديون ضعيفة نحو 6 مليار ريال بزيادة مائة مليون عن نهاية فبراير، كما بلغت جملة السندات الصادرة عن البنوك للغير وشهادات الإيداع، وأوراق الدين نحو 7.1 مليار ريال، بانخفاض نسبته 2.5% عن نهاية فبراير . والخلاصة أن أرقام البنوك لشهر مارس تمثل تغيراً ملحوظاً عن فبراير وتعكس نشاطاُ ملحوظاً للجهاز المصرفي ربما بأكثر من اللازم في بعض جوانبه، ولكنه تغير إلى الأفضل.