زخم الشرق الأوسط

29/09/2025 0
د. عبدالله الردادي

هل أصبح الشرق الأوسط هو النقطة المضيئة في العالم؟ قد تكون هذه خلاصة تقرير توقعات كبار الاقتصاديين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في سبتمبر (أيلول) 2025، والذي يقدّم صورة شاملة لحالة الاقتصاد الدولي، وهو تقرير مليء بالأرقام والإحصائيات ويركّز على عدد من المحاور وهي: معدلات النمو، ومسار التضخم، واتجاهات السياسات الاقتصادية، وأوضاع القوى العاملة، وواقع التقنية وبالتحديد الذكاء الاصطناعي، وأخيراً التحديات الصناعية، ومن خلال مقارنة الشرق الأوسط ببقية مناطق العالم عبر هذه المحاور، تتضح الفوارق بالأرقام.

على مستوى النمو، تبدو التوقعات العالمية قاتمة؛ إذ يرى 72 في المائة من كبار الاقتصاديين أن الأوضاع ستتدهور خلال العام المقبل، وأن معدل النمو العالمي سيستقر عند 3 في المائة في 2025 مقارنة بمتوسط 3.7 في المائة قبل عام 2020. ويفصّل التقرير توقعات النمو بحسب المناطق، فالولايات المتحدة وأوروبا بالكاد تحققان نمواً ربعياً لا يتجاوز 0.2 في المائة، وأميركا اللاتينية عند 2.3 في المائة، والصين سجلت 5.2 في المائة في الربع الثاني لكنها تواجه تباطؤاً وانكماشاً سعرياً، بينما تبرز الهند وحدها في جنوب آسيا بنمو قوي يبلغ 6.4 في المائة، وهو رقم قد يتغير بحسب اتجاهات النزاع الاقتصادي بينها وبين أميركا. وفي هذا السياق، يسجل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2.7 في المائة في 2025 مع توقع بلوغ 4.1 في المائة بحلول 2027، وهو معدل أعلى من معظم المناطق باستثناء الهند.

أما من ناحية التضخم، فالتباين بين المناطق واضح، فالولايات المتحدة تواجه المخاطر الأعلى حيث يرى 59 في المائة من الاقتصاديين استمرار معدلات مرتفعة، بينما تسجل الصين انكماشاً سعرياً بلغ –0.4 في المائة في أغسطس (آب) 2025، وأوروبا تبقى عند 2.1 في المائة. في المقابل، يتوقع 60 في المائة من الخبراء للشرق الأوسط أن يحافظ على مستوى معتدل ومستقر، وهو ما يضعه في موقع أكثر توازناً مقارنة بالتقلبات في الاقتصادات المتقدمة.

السياسات الاقتصادية تكشف بدورها الفارق بين المناطق، فقد اعتمدت الولايات المتحدة حزمة عجز مالي تتجاوز 3 تريليونات دولار، واتجهت أوروبا إلى توسيع الإنفاق، وضخت الصين المزيد من أدوات التيسير النقدي والمالي. أما في الشرق الأوسط، فيرى ثلاثة أرباع الاقتصاديين أن السياسات المالية والنقدية ستبقى مستقرة خلال العام المقبل، ما يمنحه قدراً من الوضوح في عالم يميل إلى التحولات المفاجئة، ولعل الشفافية التي تتبعها بعض حكومات الشرق الأوسط في إعلاناتها كانت سبباً في هذا الاستقرار.

وتنعكس هذه الصورة أيضاً على القوى العاملة، فعالمياً، يشير تقرير ملحق للمنتدى عن توقعات مسؤولي شؤون الأفراد إلى أن 42 في المائة من المؤسسات لا تتوقع أي تحسن في سوق العمل خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، وأن أوروبا تعاني من شيخوخة سكانية، وأميركا الشمالية من نقص في الكفاءات. أما الشرق الأوسط في المقابل فيستثمر في التوطين، وزيادة مشاركة المرأة، وبرامج المهارات المستقبلية، وهو ما يضعه في موقع مختلف عن تلك التحديات.

في الجانب التقني، يكشف دليل الابتكار المسؤول في الذكاء الاصطناعي أن أقل من 1 في المائة من الشركات حول العالم دمجت بالفعل ممارسات الذكاء الاصطناعي المسؤول. ومع ذلك، تقدّم المنطقة مبادرات ملموسة: دبي أطلقت (ختم الذكاء الاصطناعي)، والسعودية أقرت في 2025 (قانون المركز العالمي للذكاء الاصطناعي) لتنظيم استضافة البيانات الأجنبية وفقاً لمعايير السيادة الوطنية. هذه الإجراءات تجعل المنطقة طرفاً فاعلاً في النقاش العالمي حول حوكمة التقنية.

أما التحديات الصناعية، فيوضح تقرير تمكين الصفوف الأمامية أن 40 في المائة من جيل «زد» العاملين في القطاعات الصناعية عالمياً يفكرون في ترك وظائفهم خلال ستة أشهر، وأن كلفة مغادرة الموظف الواحد تصل إلى 52 ألف دولار. هذه الأزمة تهم جميع المناطق، لكنها تحمل أهمية خاصة للشرق الأوسط الذي يضع التصنيع واللوجيستيات والمشاريع الكبرى في قلب استراتيجياته الاقتصادية، ما يجعل الاستثمار في التدريب والاحتفاظ بالموظفين ضرورة مبكرة.

وتبدو النظرة إلى العالم قاتمة من خلال التقرير، وليس ذلك بسبب حروب أو نزاعات سياسية، بل هي مشكلات هيكلة تعاني منها كبريات الدول، ويضاف عليها مستوى عالٍ من عدم اليقين بالتوجهات والسياسات، ولا يحصر التقرير هذه النظرة على مستوى واحد فقط، بل في عدة مستويات، في المقابل فإن النظرة للشرق الأوسط تبدو أكثر إشراقاً لأسباب منها وضوح توجه بعض حكوماته، والاستعداد المسبق للتحولات العالمية، والنظر إلى التوجهات الاقتصادية بنظرة موضوعية بعيدة عن الأجندات السياسية، وهو ما أثر بشكل كبير على أوروبا والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، فهل يستثمر الشرق الأوسط هذا الزخم كما استثمره الغرب في السابق؟

 

نقلا عن الشرق الأوسط