رغم أن الآمال والطموحات تتركز حول تحقيق تنمية اقتصادية ضخمة بالشرق الأوسط إلا أن ذلك لن يكون سهلاً خصوصاً أن العقد الحالي بدأ بتداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي خلفتها جائحة كورونا، والتصدي لها مكلف ويختلف من دولة لأخرى بحسب قدراتها وخبراتها بالتعامل مع الأزمات، ولكن ليست الجائحة وما تركته من تداعيات هي التحدي الوحيد بالمنطقة بل إن ملفاتها السياسية البالغة التعقيد تمثل ضغطاً قد يفوق تداعيات كورونا، فما يسمى بربيع الخراب العربي حول تلك الدول العربية التي غزاها لمحطمة وفاشلة ونشر ذلك الفوضى التي خلفت تهجيراً لسكان تلك الدول ودماراً هائلاً باقتصادها مما سيرفع من تكلفة إعادة بنائها، فالفواتير ستكون بمئات المليارات من الدولارات وهذه الأموال الضخمة لن تتوفر لدول محطمة بسهولة لكن مصير هذه الملفات هو الحل بنهاية المطاف.
وهذا عادةً ما يحدث بعد الفوضى الناجمة عن حروب أهلية لكن الفكر الاقتصادي والسياسي سينتقل لآفاق جديدة يكون داعماً لإعادة الاستقرار والانطلاق نحو تنمية مستدامة، فالمنطقة تمر بمرحلة مراجعة شاملة لأوضاعها وإعادة تعريف المصالح في الدول المستقرة بشكلٍ خاص فلا يمكن الاستمرار بالتعاطي مع قضايا المنطقة وملفاتها بنفس الأساليب القديمة لأنها كانت تناسب تلك المرحلة تحديداً ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، فمستقبل الدول والشعوب الباحثة عن مكان لها بالمستقبل يتطلب عملاً وجهداً مختلفاً، فالسباق دولياً تتسارع وتيرته وتبرز قوى جديدة على الساحة ستكون ذات مكانة متقدمة في ترتيب الاقتصاد العالمي، وذلك من خلال ما تقوم به من إنفاق ضخم على التعليم والبحث العلمي والابتكار والاستثمار بالتكنولوجيا بينما يعيش الشرق الأوسط ذات الصراعات القديمة التي تتجدد باستمرار دون الوصول لحل جذري وخصوصاً قضية فلسطين.
فالمنطقة يبدو أنها مقبلة على تطورات خلال العشرة أعوام القادمة تعد مفصلية وستشكل منعطفاً مهماً في مساعي الوصول لاستقرار وأمن مستدام وذلك بحل قضاياها الجوهرية والانتقال لمرحلة تنموية ضخمة، ومما يدلل على مثل هذا الاستقراء هو إعادة رسم العلاقة والتعامل مع كافة القضايا بواقعية وبما لا يدع مجالاً لحلول مؤقتة وكذلك بخروج أنظمة سعت دائماً لإطالة أمد الأزمات لتبقى في السلطة لأنها تفتقر لأي مشروع تنموي داخلي وكان هدفها السلطة فقط فهم يواجهون ما كانوا يهربون منه، كما أن الدول ذات الاستقرار والتنمية والازدهار على مدى العقود الماضية وعلى رأسها دول الخليج تتطلع لبناء مستقبل اقتصادياتها بعيداً عن أي مؤثرات أوجدتها الأنظمة التي تقتات على المتاجرة بقضايا المنطقة.
وحتى تتحقق الخطط الاستراتيجية الطموحة لدول الخليج وكل دولة طامحة لتنمية مستدامة لابد أن تنظر بشكل أساسي لإلغاء كافة المظاهر السلبية التي تحد من تحقيق تلك الأهداف التنموية التي تنعكس عليها وعلى المنطقة عموماً، ولذلك أصبح التغيير بالسياسات واقعاً فرضته متغيرات عصرنا الحالي وهذا القرن الصاخب منذ بدايته. التنمية عماد القوة للدول الساعية لمكانة دولية عالية وتنافسية واسعة تقوم على التنمية البشرية بما يواكب متطلبات هذا العصر وكذلك فرض الاستقرار وإغلاق كافة القضايا التي تحد من حركة رؤوس الأموال وجذب الاستثمارات وأيضا الخبرات والانتقال لمرحلة تعتمد فيها هذه الدول على نفسها في إنتاج الكثير من السلع والخدمات وامتلاك التكنولوجيا وزيادة الإنفاق على البحث العلمي بدلاً من الإنفاق على مواجهة مظاهر عدم الاستقرار التي فرضتها هذه القضايا العالقة دون حل، وبات التوجه لحلها بعدالة ووفق ما تقره التشريعات والأنظمة الدولية هو العمل القادم بالوتيرة المناسبة وبما يعود بالنفع على شعوب الشرق الأوسط قلب العالم النابض ومكمن أهم ثرواته والذي يربط الشرق بالغرب مما يبشر بمستقبل زاهر وعظيم له بعد أن تنتهي كل هذه الملفات وما خلفته من أضرار فادحة.
نقلا عن الجزيرة