الراتب لا يكفي.. واقع اقتصادي أم سلوك مجتمعي؟

16/07/2025 5
حسين بن حمد الرقيب

تشهد شريحة واسعة من المواطنين، بمن فيهم أصحاب الدخل الثابت، ضغوطًا مالية متكررة تجعل الراتب الشهري غير قادر على تغطية كامل الالتزامات، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد الأعباء الاستهلاكية. وتنعكس هذه الأزمة في ظاهرة التي باتت مألوفة، وهي نفاد الراتب قبل نهاية الشهر، واضطرار الأفراد للاعتماد على الائتمان أو الاقتراض المؤقت لتجاوز ما تبقى من الأيام، هذا الواقع لا يرتبط حصريًا بضعف الرواتب، بل يعكس خللًا أكبر في العلاقة بين مستوى الدخل وسلوك الإنفاق الشخصي. فمع ارتفاع معدلات التضخم وتنامي كلفة الخدمات والسلع الأساسية، بات الإنفاق الشهري يتجاوز الإمكانات المتاحة، خصوصًا مع غياب أدوات التخطيط المالي على المستوى الفردي. التحدي الأساسي يتمثل في ضعف الثقافة المالية لدى قطاع واسع من الأفراد، سواء فيما يتعلق بإعداد ميزانية شخصية واضحة، أو بترتيب الأولويات وفقًا للحاجة الفعلية، أو حتى في ضبط العادات الاستهلاكية المتكررة.

ويؤدي ذلك إلى استنزاف الموارد المالية في النصف الأول من الشهر، ثم الدخول في مرحلة من العجز الجزئي أو الكلي حتى موعد الراتب التالي. ومما فاقم هذا السلوك الاستهلاكي، التحول الواسع نحو الدفع الإلكتروني والمحافظ الرقمية، والذي سهّل عمليات الشراء وأضعف الإحساس المباشر بخروج المال، مما أدى إلى ترسيخ نمط إنفاق فوري قد يتجاوز الحاجة الفعلية. فغريزة الشراء باتت تُحفَّز بلمسة واحدة، لا بحسابات مدروسة، في بيئة رقمية تُشجع على الاستهلاك المستمر من خلال العروض الفورية والتقسيط السريع، ما لم تكن مصحوبة بوعي مالي كافٍ وضبط ذاتي.

هذه الظاهرة لا تحظى بالاهتمام الكافي على مستوى السياسات التعليمية أو الحملات التوعوية، فالثقافة المالية، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي الشخصي، لا تزال غائبة عن المناهج الدراسية، وغير مفعّلة في المنصات الإعلامية بالشكل المطلوب. ويبرز في هذا السياق دور المؤسسات المالية والقطاع المصرفي في تعزيز التوعية بالادخار، والتخطيط المالي، والاستهلاك المسؤول، خصوصًا في بيئة اقتصادية تتجه نحو مزيد من الانفتاح والتنافسية.

في المحصلة، تجاوز هذه الأزمة يتطلب جهدًا تكامليًا، يبدأ من رفع الوعي المالي، ويمر بإصلاحات هيكلية في سوق العمل والأسعار، وصولًا إلى خلق بيئة اقتصادية تُشجّع على الاستدامة المالية للأفراد، لا على استهلاكهم المتسارع.

 

 

نقلا عن الرياض