يعتقد الكثير من المستثمرين أن كل إعلامي يتحدث عن أسواق المال في وسائل الإعلام هو خبير اقتصادي ومالي وقانوني ويتقن فنون المضاربة وبيع وشراء الأسهم ، وهذا الأمر غير صحيح البته ، والصحفي الذي يعطي توصيات بيع وشراء عن حسن نية هو مخطئ ومتعدى على مهنة ليست مهنته ، وفي الكثير من الأحيان يسألني صديق في الحياة أو زميل في العمل أسئلة محرجة ومباشرة من قبيل .. هل نشتري اليوم أو نبيع ؟ .. فأقول له:" القرار قرارك ".. فإن أصر أهمهم بكلمات غير مفهومة وأنسحب مبتعدا بحجة وبلا حجة .. لأن التجربة علمتني أن أي كلام أقوله سيأول وسيحمل أكثر مما يتحمل .
قبل عدة أيام اتصل بي أحد الأصدقاء وبلا تحية أو مقدمات سألني بصوت حاد وغاضب سؤالا مباشرا .. هل أستطيع رفع دعوى على رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة "الفلانية" ؟.. كان السؤال مفاجئا ولأن جملتي المعتادة واقفة على رأس لساني قلت له " القرار قرارك " .. فغضب وأغلق الهاتف برهة ثم عاد واتصل وصوته أكثر حدة وغضب : ألست محاميا ؟.. ألا تقضي النهار وبعض الليل في متابعة أخبار الشركات ؟.. يا أخي اتقي الله فأنا أسألك سؤالا قانونيا ولا أطلب منك نصيحة أو توصية ؟ .. هو يعتقد أنني محامي لمجرد أني تخرجت من كلية الحقوق وتدربت بضعة أشهر على عمل المحاماة .. ويعتقد أني قادرا على الإفتاء والإجابة على سؤاله بمجرد أنني أتابع أسواق المال وأخبار الشركات وأكتب عنها ، قلت له : طالما أنت مصر على سماع إجابة إذن اعطني بعض الوقت فقال خذ وقتك كما تشاء .
عدت إلى القانون الإتحادي رقم 8 لسنة 1984 المعدل بمقتضى القانون الإتحاد رقم 13 لسنة 1988 وهو القانون الذي يحكم عمل الشركات التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة وبحثت في مواده علني أجد جوابا لسؤال صديقي ، وفعلا وجدت أن نصوص المواد (111، 112 ، 113 ، 114) من القانون المذكور يمكن أن تكون أساسا جيدا لبناء إجابة قانونية حول السؤال المطروح . فالمادة 111 تقول صراحة " رئيس وأعضاء مجلس الإدارة مسؤولون تجاه الشركة والمساهمين والغير عن جميع أعمال الغش وإساءة استعمال السلطة ، وعن كل مخالفة للقانون أو لنظام الشركة وعن الخطأ في الإدارة ويبطل كل شرط يقضي بغير ذلك " .. وما يهمنا هنا هو التركيز على أن رئيس وأعضاء مجلس الإدارة مسؤولون تجاه الشركة والمساهمين ... حتى عن الخطأ في الإدارة .. وبينما تفصل المادة 112 طريقة نشوء الخطأ وما إذا كان الخطأ بإجماع مجلس الإدارة أو بالأغلبية .. فإن المادة 113 تبين طريقة رفع الدعوى من قبل الشركة ممثلة بجمعيتها العمومية ضد مجلس الإدارة .. في حين تفصح المادة 114 بنص صريح عن حق المساهم .." لكل مساهم أن يقيم الدعوى منفردا في حال عدم قيام الشركة برفعها إذا كان من شأن الخطأ إلحاق ضرر خاص به كمساهم على أن يخطر الشركة بعزمه على رفع الدعوى ويقع باطلا كل شرط في نظام الشركة يقضي بغير ذلك "
إن تفسير المادة 114 يفضي إلى أن من حق المساهم الفرد في أي شركة مساهمة عامة مباشرة الدعوى المدنية ضد رئيس وأعضاء مجلس الإدارة- الأساس القانوني للدعوى المدنية هنا هو الخطأ التقصيري من جانب رئيس وأعضاء مجلس الإدارة أي أنه لا مجال لبناء أي دعوى جزائية على الإطلاق - إذا أثبت أن ضررا لحق به شخصيا نتيجة لتصرف أو قرار خاطئ من المجلس كأن يثبت أن رئيس مجلس الإدارة أو عضو مجلس الإدارة المنتدب أو أي عضو من أعضاء المجلس أو المجلس مجتمعا قد أضاع بخطئه حق المساهم في الحصول على أرباح ، لكن الإجتهادات القانونية في هذا المجال كثيرة ومعقدة وقد استلزم معظمها إثبات علاقة السببية بين التصرف الخاطئ – الخطأ التقصيري - من جانب المدعى عليه والضرر الذي لحق بالمدعي ، ومن خلال مراجعة العديد من الإجتهادات الفقهية ذات الصلة تبين لي أن المشرع ينظر إلى هذه الدعوى باعتبارها دعوى فردية تتعلق بالضرر الذي لحق بالمساهم شخصيا ويفرقها عن الدعوى التي ينصب فيها المساهم نفسه مدعيا باسم الشركة لأن الشركة لم تباشرها من تلقاء نفسها ويشترط في هذه الدعوى أن يكون الضرر عاما وأصاب جميع المساهمين .
حملت ما توصلت إليه من إجابة قانونية محضة ووضعتها أمام صديقي فقرأها ويبدو أنه لم يفهم الكثير منها فعاد وسألني .. هل أستطيع رفع الدعوى ؟ .. قلت له : نعم .. رفع الدعوى أمر سهل وبسيط ومن حقك ولكن ستسلك طريقا له بداية واضحة ونهاية غامضة وقد تدفع للمحامي أكثر مما ستستفيد حتى لو ربحت الدعوى وفي مثل هذه الحالات الأفضل أن ينضم الجهد الفردي إلى جهد جماعي وأن يتم رفع الدعوى ضد مجلس الإدارة من قبل الشركة ممثلة بجمعيتها العمومية ففي هذه الحالة قد تحققون نصرا يشكل سابقة قانونية يبنى عليها .. فسألني هل اضع إعلانا في الجريدة لحشد المساهمين ضد المخطئين .. فقلت له " القرار قرارك ".