السياسة الاقتصادية خاصة في شقيها المالي والنقدي تشكلت على إثر تبعات أزمة الكوفد وتوابعها في نشؤ التضخم بسبب عرقلة سلاسل الإمداد والتوسع النقدي الذي بدأ حتى قبلها، لذلك التسبيب دائما مشوش ويعطي فرصا مختلفة الوزن في ترجيح مصادر التضخم. ما كدنا نضع ماضي الكوفد خلفنا حتى أخذت الحكومات -خاصة المؤثرة منها- كأمريكا وحتى أوروبا إلى حد أقل والآن الصين ودول كثيرة، الأخذ بسياسات توسعية مستغلة الاستعداد للاقتراض لتمويل الإنفاق. بيئة ساعدتها سياسة الفيدرالي في خفض الفائدة، فمثلا أعطت إدارة بايدن اسم "برنامج تقليص التضخم" لأكبر برنامج إنفاق ودعم غلب عليه دعم إعادة التصنيع والبنية التحتية. كذلك حديثا أقرت الصين برنامجا تحفيزيا ضخما على مدى 5 سنوات، كذلك هناك برامج تسلح تقريبا في كل مناطق العالم الرئيسية. أخيرا يبدو أن هناك استمرارا في العجز ونموا في الدين العام كما حدث في تركيا والسعودية على سبيل المثال. بالرغم من هذا حقق الفيدرالي وغيره نجاحا في تحجيم التضخم لكن هدف 2% لا يزال بعيدا بنسبة لا تقل عن 30%.
طبعا كان ولا يزال هناك نقد على هدف "2%" الذي بدأ في نيوزيلندا -بلد صغير وبعيد عن محور القرار الاقتصادي عالميا. إيجابيا لا يزال هناك نمو في التجارة العالمية ونمو اقتصادي في أمريكا والصين والهند. الخلفية مهمة لمحاولة معرفة ما في الأفق، الآن نحن أمام مشهد جديد بدأت شرارته بانتخاب ترمب بملامح برنامج اقتصادي متضارب بعض الشي من حيث إن الجانب المحافظ في الطرح يدعو إلى سياسة اقتصاد السوق كما حدث في تعيين وزير طاقة من قطاع النفط وتعيين صقور في الخارجية والأمن، ما ينذر برفع الإنفاق على التسلح. لكن يقابل ذلك اهتمام كبير برفع الرسوم الجمركية وإلغاء بعض برامج إنفاق إدارة بايدن ونزعة مؤثرة لخفض نسب الفائدة. العامل الآخر نحو التضخم يأتي في إعادة جزء مؤثر من الهجرة غير النظامية وبالتالي تسهم في رفع تكلفة العمالة تضخميا، نزعة ترمب لفائدة منخفضة مهمة خاصة إن جاءت على خلفية أن هزيمة التضخم حققت الكثير، لكنها لم تنته من ناحية، وتصريح جيروم باول رئيس البنك الفيدرالي الأخير بأن ليس هناك تسرع في خفض الفائدة.
السؤال هل تستمر المواجهة بين باول وترمب بحرب كلامية علنية كما كانت في فترة رئاسته الأولى أم ينقذ النمو الاقتصادي المتوازن الجميع -رهان لا يحدث إلا نادرا- حرب قد تسرع بتذبذب في الأسواق. فترة باول تنتهي في مايو 2026 لذلك أمامنا عام ونصف من احتمال تراشق لا يخدم الاقتصاد أو الأسواق. وارد أيضا أن تكون إدارة ترمب هذه المرة أكثر استقرارا بمساعدة فريق اقتصادي أكثر تماسكا، وبالتالي فرص التراشق تكون محكمة أكثر.
الاستقطاب التجاري والاقتصادي ورفع الإنفاق والدين يرفع الأخطار عالميا، مقابل تفاؤل ترمب الذي منه دعم وتوجه إلى قطاع الطاقة الأحفورية كما يتمثل في ترشيح رئيس شركة نفط لوزارة الطاقة. انخفاض أسعار الذهب مؤشر على حالة أعلى في درجة اليقين على استقرار وثبات السياسة الأمريكية اجتماعيا وسياسيا وأمنيا. سياسة في قلبها فرص تضخم أعلى وربما نمو، في البداية عبر عنه ارتفاع الأسواق الأمريكية مقابل خوف وحذر من حروب اقتصادية وحتى عسكرية.
أقرب لنا انخفاض النفط كمحفز للنمو الاقتصادي عالميا بالرغم من تأثيره السلبي في الدول النفطية. لذلك الدول النفطية أمام تضحية في المدى القصير مقابل صورة أفضل في المدى المتوسط والبعيد. في الأخير الأهم للجميع كفاءة السياسات الداخلية الاقتصادية والاستقرار المالي، وأيضا استغلال التحولات الاقتصادية العالمية، خاصة أن الاقتصاد كلما كان أصغر أصبح أكثر مرونة. في قلب هذه العملية كفاءة الأجهزة العامة ومساءلة الأفراد فيها.
نقلا عن الاقتصادية