القرار بين الحدس والتحليل

16/04/2024 0
فواز حمد الفواز
لو فكرت في أغلب القرارات التي تأخذها في حياتك العامة والخاصة ستجد أغلبها لا توظف تحليلا عقلانيا دقيقا وإنما تراهن على حدس تجريبي، بل حتى لو وظفت تحليلا علميا فإنك عادة تمرر القرار العقلاني على آلية الحدس. كل قرار لا بد أن يمر من منظار التحليل أو الحدس (Intuition) أو كليهما عادة في مفاضلة يفوز بها التحليل لما يحظى به من قدسية علمية لكن هذا لا يمنع البشر من تمرير الخيارات ووزن المخاطر من منظار الحدس الذي يعرفه الإنسان من الفطرة والتجربة، في كتاب جديد لعالم النفس الألماني قيرد قيقرنايزر Gigerenzer عنوانه ذكاء الحدس "The Intelligence of Intuition" يحاول الكتاب توضيح أهمية وقوة الحدس. سأحاول توضيح أهم الأفكار في الكتاب. يبدأ الكتاب بتعريف الحدس بأنه أداة ذكاء تمكننا من الحكم على حالة معقدة واتخاذ قرار سريع. يوظف الكتاب بعض نظريات علم النفس الإدراكي والاقتصاد السلوكي لتحدي القول بأن العقلانية وحدها الآلية الوحيدة لاتخاذ القرارات السليمة، يوظف الإنسان ما يسميه "الأدوات التكيفية" التي بها يوظف تفسيرات إدراكية لعمل قرار سريع. هذه التفسيرات تختصر عدة خطوات في محاولة الإنسان الإبحار والتنقل بين تجاربه في تعامله مع حالة عدم اليقين على مدى التاريخ. لذلك لا بد من فهم البيئة العامة العقلانية التي تنبع منها هذه التفسيرات التي يصر الكاتب على أنها ليست انحيازية أو معيبة.
 
الحدس يأتي نتيجة التجربة التي تأتي دون تعليل واع. يذكر الكتاب تجارب الأطباء ولاعبي الشطرنج في التعرف على نماذج سابقة توظف عفويا في القرار دون تحليل ممنهج. ربما أصعب ما يواجه الإنسان القرار في ظل حالة عدم اليقين التي تختلف جذريا عن الحاجة لقرار في ظل ما هو مألوف نسبيا لكن هنا عناصر ومخاطر ممكن تأطيرها. يرى الكاتب أن الحدس هو الأنسب في حالة عدم اليقين لأن قدرة الإنسان على التمييز وفرز النماذج من التجربة تكون في ذروتها بينما المعلومات شحيحة. كثير يلجأ للاعتماد على لوقرثميات تحليلية معقدة تقود لقرارات قد لا تكون الأمثل. لذلك يقترح توظيف مزيج من التحليل والحدس الناتج عن تجربة خاصة في الحالات التي لا تتوافر فيها معلومات وأرقام إما ناقصة أو على درجة عالية من عدم اليقين. يذكر مثال أن أربعة من قيادات إحدى الشركات واجهوا قرارا صعبا وأخيرا اتفق ثلاثة منهم على الاستمرار بعد تحليل عقلاني مفصل بينما تردد أحدهم بحجة أن لديه حدسا ضده لكن لم يستطع شرح الأسباب، النتيجة أن الشركة اتخذت قرارا كارثيا، لذلك يرى أن السؤال المنطقي في مثل هذه الحالة أن تسأل الرابع عن تجربته في هذا المجال وليس المسببات والتبريرات.
 
هناك نقد مبرر على هذا الطرح من منطلق أنه يفتح بابا واسعا للتخمين والابتعاد عن القياس وتفادي الدراسة والبحث والتحليل. لكن هناك ناحية علمية من التجربة الإنسانية لا يمكن إغفالها خاصة كلما ارتفعت حالة عدم اليقين كما في بعض القرارات الطبية والاستثمارية والقانونية. لذلك ليست دعوة لتعطيل التحليل ووزن الاحتمالات لكن لإدراك محدودية التحليل العقلاني وتعميق التجربة في أعضاء الفريق. ربما من أفضل استنتاجاته أن هناك نزعة حديثة في التدريب بأن يعطى المتدرب فرصة أوسع لمعرفة أقسام وتخصصات كثيرة دون تعمق ولذلك يفقد حساسية القدرة على الحدس في أي تخصص.
 
 
 
 
 
 
 
نقلا عن الاقتصادية