ماذا بعد وصول أسواق الإسكان عالميا إلى نقطة الاختناق؟

28/10/2023 1
عبد الحميد العمري

انعكس سلبيا ارتفاع معدل الفائدة منذ بدأ الصعود بوتيرة متسارعة على نشاط سوق الإسكان، بانخفاض حجم مبيعاتها من العقارات السكنية خلال العامين الماضيين بأكثر من 42.0 في المائة، انطلق التأثير العكسي لارتفاع معدل الفائدة الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ نحو 23 عاما مضت من انكماش الائتمان العقاري الجديد الممنوح للأفراد بنحو 49.0 في المائة لفترة المقارنة نفسها (العامين الماضيين)، ولم يكن ذلك العامل العكسي الوحيد الذي أدى إلى هذا الركود المخيم على سوق الإسكان محليا حتى تاريخه، إذ تدخل تضخم أسعار الأراضي والعقارات بشكل رئيس في دخول السوق في ركودها الراهن بدرجة كبيرة جدا، ويضاف إلى ما تقدم بداية العمل بالآلية الجديدة للدعم السكني، التي رشدت من حجمه ما بين 70 إلى 80 المائة، ما أدى إلى أن أصبح المستهلكون في مواجهة ثلاثة أعوام رئيسة حدت بصورة كبيرة من نشاط سوق الإسكان طوال الفترة الماضية.

الأوضاع الراهنة لسوق الإسكان المحلية ليست حصرا فيها فقط، فهي حالة من الركود الذي خيم على أغلب؛ إن لم يكن كل أسواق الإسكان حول العالم، التي تقاطعت عند ست علامات دالة على أسباب ركودها وتباطؤ نشاطها منذ بدأت البنوك المركزية حول العالم برفع معدلات الفائدة، وما ترتب عليه من ارتفاع لتكلفة الرهن العقاري في تلك الأسواق عموما، وتمثلت تلك العلامات في أولا: الارتفاع الكبير في متوسط المدفوعات الشهرية للمستهلك للجهات التمويلية "أقساط السداد"، ما شكل عبئا ماليا ومعيشيا على المستهلكين في عموم أسواق الإسكان حول العالم، ومنها بالطبع السوق المحلية بنسب تناهز الـ65 في المائة شهريا. ثانيا: الارتفاع الكبير في إيجارات المساكن، نتيجة لارتفاع أسعارها السوقية قام ملاكها برفع الإيجارات، التي تمثل العائد على الاستثمار فيها بالأسعار الراهنة، وهو ما حدث في السوق المحلية طوال الـ19 شهرا الماضي بارتفاعات سنوية متتالية، وصلت في المدن الرئيسة إلى مستويات قياسية، كالرياض وجدة، وأخيرا بدأ عديد من المدن الأخرى بالانضمام إلى تلكما المدينتين بارتفاع تكلفة الإيجارات فيها إلى مستويات غير مسبوقة.

ثالثا: ارتفاع معدل الرهن العقاري إلى أعلى مستوياته خلال أكثر من 23 عاما مضت، نتيجة ارتفاع معدل الفائدة وفق قرارات البنوك المركزية بقيادة "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي، ووصل معدل الرهن العقاري في الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي، إلى 8.0 في المائة لأول مرة منذ أكثر من 23 عاما مضت، وهو الأمر الذي حدث في أغلب أسواق الإسكان حول العالم، وحدث بالتأكيد في السوق المحلية أسوة بتلك الأسواق، وتأثرا بالقرارات المتتابعة للبنك المركزي السعودي (ساما) تجاه رفع معدل الفائدة على الريال، وهو ما أدى بدوره إلى انكماش حجم الائتمان العقاري الممنوح للأفراد على مستوى العالم، وحدث ذلك في السوق المحلية بمعدلات انخفاض قياسية وصلت إلى 49.0 في المائة، كما تمت الإشارة إليه أعلاه خلال العامين الماضيين. رابعا: أدت المتغيرات سالفة الذكر في مجملها إلى انحدار قدرة تحمل تكاليف السكن "شراء، إيجارا" إلى أدنى مستوياتها تاريخيا في جميع أسواق الإسكان حول العالم، وحدث جزء كبير منه في السوق المحلية، خاصة فيما يتعلق بشراء السكن، وهو ما أقره عديد من مسؤولي الإسكان مع مطلع العام الجاري، من وصول أسعار الأراضي والمساكن إلى مستويات قياسية فاقت القدرة الشرائية لأغلبية المستهلكين، وأنه يتعين على تلك الجهات التنفيذية القيام باتخاذ مزيد من التدابير والإجراءات اللازمة للحد من هذه التحديات أمام المستهلكين، وهو الأمر الذي ينتظر نتائجه خلال الفترة الراهنة، ويؤمل أن يؤدي إلى استقرار الأسعار عند مستويات عادلة ومتوازنة بين العرض والطلب، وبما يؤدي إلى خفضها إلى المستويات القريبة من القدرة الشرائية والائتمانية لأغلبية المستهلكين، إضافة إلى توفير الحلول المناسبة لذوي الدخل الأدنى.

خامسا: تعرضت جميع أسواق الإسكان حول العالم نتيجة لما تقدم من متغيرات (ارتفاع معدل الرهن العقاري، تضخم الأسعار)، إلى انخفاض مبيعات المساكن فيها وتراجعها إلى أدنى مستوياتها خلال أكثر من عقد زمني مضى، وفي الولايات المتحدة انحدر حجم مبيعات المساكن فيها إلى أدنى مستوياته منذ 2010، بينما انخفض في السوق المحلية وفق بيانات وزارة العدل إلى أدنى مستوياته منذ 2012، وهي نتائج طبيعية ومتوقعة نتيجة لما حدث من متغيرات متسارعة في أسواق الإسكان محليا وعالميا، وقياسا على ارتفاع تكلفة التمويل، إضافة إلى ارتفاع الأسعار السوقية إلى أعلى مستوياتها تاريخيا، فاقت معها قدرة الشريحة الأوسع من المستهلكين. سادسا: كل هذا قاد إلى تراجع حاد جدا للطلب على الرهن العقاري في عموم أسواق الإسكان حول العالم بنسب متفاوتة، وصل في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياته منذ 1995، ومحليا -قياسا على حداثة التجربة- عاد حجمه إلى أدنى من حجمه في 2019، أي قبل البدء الفعلي لبرنامج الدعم السكني الذي تم مع مطلع ذلك العام!

ختاما، يتوقع مع استمرار ارتفاع معدلات الفائدة لفترة قد تمتد إلى نهاية 2025، أن تزداد الضغوط على أسواق الإسكان عالميا ومحليا، حتى مع تقديرات خفض معدلات الفائدة من قبل البنوك المركزية قبل نهاية 2025، فلا يرجح أن تعود إلى أدنى من 3.0 إلى 4.0 في المائة خلال الأعوام التي ستلي ذلك العام، تحوطا من البنوك المركزية تجاه التضخم، وابتعادا عن السياسات النقدية التي درج العمل بها من بعد الأزمة المالية العالمية، وما اقتضته من اقتراب معدل الفائدة من مستويات صفرية طوال أكثر من عقد من الزمن من بعد تلك الأزمة العالمية وصولا إلى الجائحة العالمية لكوفيد - 19، ويظل هذا الاحتمال قائما ما لم تحدث أزمة عالمية مماثلة، قد تقتضي من البنوك المركزية اتخاذ تدابير مخالفة لكل تلك التقديرات، التي تم تحديدها بناء على التطورات والمتغيرات الراهنة في الاقتصاد العالمي.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية