انكماش الإقراض العقاري والتوازن المنشود

31/08/2023 1
عبد الحميد العمري

مجددا، استمر التراجع في حجم القروض العقارية الجديدة الممنوحة من كل من المصارف وشركات التمويل، للشهر الـ13 على التوالي بمعدل سنوي 23.6 في المائة (5.6 مليار ريال) خلال يوليو من العام الجاري، ووصلت نسبة التراجع السنوي في حجم تلك القروض خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري إلى 38.7 في المائة (46.7 مليار ريال)، مقارنة بحجمها خلال الفترة نفسها من العام الماضي (76.2 مليار ريال)، ما يبرز التأثر القوي للارتفاع المطرد لمعدل الفائدة خلال العام والنصف الماضي، التي صعدت بنحو 534 نقطة أساس منذ بداية ارتفاعها في نهاية الربع الأول من العام الماضي، ويتجلى هذا التأثير بدرجة أكبر مقارنة حصيلة القروض العقارية الجديدة خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، بحصيلتها خلال الفترة نفسها من عام 2021 التي وصل معدل الفائدة خلالها إلى أدنى مستوياته التاريخية (93.5 مليار ريال)، التي تظهر نتيجتها انخفاضا وصلت نسبته إلى 50 في المائة، بمعنى أن زخم الإقراض العقاري فقد نصف قوته تحت ضغوط ارتفاع معدل الفائدة، مع الأخذ في الحسبان أيضا العوامل الأخرى الأساسية، التي تسببت في انخفاض كل من القروض العقارية الجديدة والنشاط العقاري السكني خلال الفترة الماضية، من أهم تلك العوامل المؤثرة: تجاوز أسعار الأراضي والعقارات عموما، والسكنية تحديدا، قدرة أغلبية المستهلكين، وهو ما أشار إليه كل من وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ومحافظ الهيئة العامة للعقار، في أكثر من مناسبة، إضافة إلى تراجع الطلب المحلي على المساكن بالتزامن مع الارتفاع المطرد لمعدل تملك المواطنين مساكنهم خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، واقترابه كثيرا من النسبة المستهدفة لبرامج الإسكان. وأخيرا وليس آخرا، الانخفاض الذي طرأ على الدعم السكني الممنوح للمستفيدين من برامج الإسكان مع مطلع العام الجاري، حيث راوحت نسب انخفاضه بين 70 و80 في المائة.

إنها عوامل عديدة رئيسة أسهمت مجتمعة في الوصول إلى النتائج الراهنة، سواء على مستوى سوق الإقراض أو على مستوى النشاط العقاري المحلي عموما، والسكني على وجه الخصوص. وتختلف الأوضاع الراهنة كثيرا عما كانت عليه قبل تلك التحولات الأخيرة على مستوى الفائدة والأسعار، التي كانت قد سجلت ارتفاعا في حجم الإقراض للفترة نفسها فيما قبل ارتفاع الفائدة وتضخم الأسعار في السوق العقارية، حيث وصلت نسبة نمو الإقراض العقاري خلال تلك الفترة إلى أعلى من 168 في المائة، ما أدى بدوره إلى ارتفاع وتضخم أسعار الأراضي والعقارات بمعدلات قياسية فاقت معدلات نمو الإقراض، التي تحولت في الفترات الزمنية التالية إلى أحد التحديات أمام المستهلكين، كما سبقت الإشارة إليه أعلاه.

طوال الفترة الماضية التي بدأت بارتفاع معدل الفائدة، ثم ترشيد الدعم السكني الممنوح للمستفيدين، واقترانهما بتحرك مزيد من إصلاحات السوق العقارية من أنظمة ولوائح تنفيذية وإقرار كثير من المشاريع السكنية بالشراكة مع القطاع الخاص، التي قدمت للمستهلكين وطالبي السكن في مختلف مدن المملكة منتجات سكنية بأسعار أدنى من أسعار السوق بنسب لا تقل عن 30 في المائة، وتصل نسبة انخفاض أسعارها في عديد من المدن والمواقع إلى أكثر من 50 في المائة، إضافة إلى ضخ أكثر من 100 مليون متر مربع من الأراضي المطورة في المدن الرئيسة. كل هذا من شأنه أن يسهم في الأجلين المتوسط والطويل في كبح التضخم العقاري الراهن، ويسهم بأهمية أكبر في توفير المنتجات السكنية للمواطنين الباحثين عن تملك مساكنهم بأقل تكلفة مقترنة بالجودة اللازمة في البناء والتشييد، إضافة إلى توفير المجتمعات السكنية التي تمتاز بالقدر الأكبر والممكن من جودة الحياة المأمولة للأسر والأفراد.

تعد الفترة الراهنة بكل ما تحمله من متغيرات مجرد "مرحلة مؤقتة"، لا تبتعد في تقلباتها عن التقلبات العكسية التي اقترنت بفترة انخفاض معدل الفائدة وارتفاع حجم الإقراض والدعم السكني، سرعان ما ستتجه نحو الاستقرار والتوازن المنشود بين العرض والطلب في منظور الأعوام القليلة المقبلة، التي ستستقبل النتائج المأمولة للإصلاحات الراهنة، وما سبق إقراره خلال الأعوام الماضية. بالتأكيد أن الأعوام المقبلة ستحمل معها أجزاء كبيرة من نتائج ما حدث طوال الفترة 2019 - 2022، ويؤمل أن تحظى في وقت مبكر بإقرار ما يخفف من آثارها العكسية متى وجدت، وأن تتوافر الحلول والخيارات الأنسب لتجاوزها، كارتفاع نسب الاستقطاع على المستهلكين في فترات ماضية، إضافة إلى معالجة أي شكل من أشكال تأخر المطورين العقاريين في تسليم الوحدات السكنية للمستفيدين، أو عدم جودة البناء وظهور أي عيوب في البناء وتصاميم المساكن بعد البيع، وغيرها من الإشكالات القائمة والمحتملة في هذا المجال، وهي الجوانب والحلول التي لا تقلل أبدا من الجهود الكبيرة والمتميزة التي تمت طوال الفترة الماضية، كان من أهم ثمارها الارتفاع المطرد لمعدل تملك المساكن لدى المواطنين، واقترابه كثيرا من المعدل المستهدف بحلول 2030.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية