لا تخلو حياتنا اليومية، سواء العملية أو العلمية، من الحديث عن مفردة الإنتاجية التي ترتقي بها أمم وتخفق أخرى. الإنتاجية ليست فقط فلسفة، بل إنها مفهوم وتطبيق عرفته أمم وحضارات أخرى سبقتنا، ومنها الحضارة اليونانية والحضارة الإسلامية. الإنتاجية بالمفهوم البسيط هي الحصول على أفضل وأعلى مستوى من المخرجات كمية وجودةً بأقل ما يمكن من المدخلات، ويدخل تحت هذا المصطلح مصطلح الكفاءة الإنتاجية. فكلما كانت المخرجات ذات كمية وجودة عالية، حصلنا على إنتاجية عالية، وتتنافس الشركات والدول على الأسواق المحلية والعالمية من خلال التنافسية والإنتاجية العالية. ولقد برزت دول واحتلت الصدارة بين دول العالم؛ بسبب الإنتاجية العالية مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
تُقاس الإنتاجية إما بوحدات الإنتاج أو بقيمة المخرجات، ومقارنتها بكمية وتكلفة المدخلات. يخفّض من قيمة المخرجات تلك التي لا تستوفي شروط الجودة؛ لأنها تُعاد إلى خط الإنتاج لتحسينها أو تُعتبر غير صالحة لذلك تصبح تالفة؛ مما يخفض قيمة المخرجات والأرباح. من الجدير بالذكر أن ثقافة الإنتاجية الآن في الصناعة والتجارة في المملكة ليست على مستوى عالٍ؛ لأن الموظفين يفتقرون إلى المعرفة الجيدة بهذا الجانب الأساسي في المنافسة المحلية والعالمية. يزيد التدريب الناجح للموظفين على مفاهيم أساسية مثل الإنتاجية والكفاءة الإنتاجية والفاعلية في المهارات الإنتاجية؛ ما يمكنهم من ممارسة وظائفهم بطرق وأساليب أفضل، وبالتالي يساهم ذلك في الارتقاء بمستوى الإنتاجية في الشركات والمؤسسات السعودية؛ ما يزيد من التنافسية الوطنية للمملكة بين دول العالم.
المؤسسات التدريبية والتعليمية مسؤولة عن تطوير ثقافة الإنتاجية بين المتدربين فيها؛ لأنها الغاية والهدف من التدريب. وتحتاج الإنتاجية لتدريب مكثف ومستمر لترسيخها بين الموظفين، بل إن النظامَين التعليمي والتدريبي بمختلف مستوياتهما وتخصصاتهما مطالبان بترسيخها بين المتدربين وبقية أفراد المجتمع. وتزيد إنتاجية الفرد في إنتاجية فريق العمل، وبالتالي تزيد في إنتاجية الشركات والمؤسسات الخاصة والحكومية، فهي لا تتوقف عند الشركات والمؤسسات الربحية، بل تشمل المؤسسات الحكومية والخيرية غير الربحية. إن أي خلل في فهم وتطبيق الإنتاجية على مستوى الأفراد يساهم في خفض الإنتاجية للشركات والمؤسسات. لقد كانت إنتاجية الفرد السعودي في الستينيات الميلادية من القرن الماضي أعلى منها اليوم؛ لأن السعوديين آنذاك أقبلوا على الوظائف المهنية التي يزدرونها اليوم لأسباب اجتماعية رسّختها فيهم الطفرة البترولية التي أحدثت نقلة كمية ونوعية اقتصادية في مستوى المعيشة.
وتُعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل في الكثير من دول العالم بدعم من المؤسسات التعليمية والشركات؛ لتبادل الخبرات والآراء التي تطوّر الإنتاجية، بل تساهم بعض الحكومات في تمويلها للاستفادة من التوصيات والدراسات في تحسين الإنتاجية في تلك الدول، نحن بحاجة لمثل هذه المؤتمرات والندوات والورش النوعية التي تنشر فيها الدراسات المتعلقة بالإنتاجية. وقطع عدد قليل من الشركات السعودية شوطًا طويلًا في تحسين مستوى الإنتاجية في المملكة، لكن السواد الأعظم منها لا يزال متباطئًا أو مهملًا في ممارستها على الوجه المطلوب. ويساهم التفكير المحدود غير الشامل في القصور الذي تواجهه الإنتاجية في المملكة. الحقيقة أن لبعض الشركات السعودية التي تمارس الإنتاجية نشاطات عالمية تؤثر في تبنّيها مفهوم وتطبيق الكفاءة الإنتاجية، بل تضغط عليها لتهتم بها؛ لتصبح منافسة بين شركات دول العالم. ومن هذه الشركات السعودية المهتمة بالإنتاجية شركة سابك وبعض شركات مجموعة الزامل التي تنافس في الأسواق العالمية. على الشركات السعودية أن تدرك مفهوم وتطبيق العولمة التي أصبحت القوة الأكثر تأثيرًا في منافسة الشركات وإنتاجيتها في الأسواق.
ختامًا.. للإنتاجية علاقة قوية ومباشرة بحجم المبيعات ونسبة الأرباح وسمعة وصورة الشركة الذهنية لدى المجتمع. كما أن لها علاقة قوية بالنفاذ والتوسّع في الأسواق المحلية والعالمية. ولا أبالغ إذا أضفت هنا أن للإنتاجية علاقة مباشرة بمستوى وجودة الحياة في المملكة. ويجب أن تكون الإنتاجية أسلوب حياة تسلكه الحكومة والقطاع الخاص؛ لترتقي المملكة إلى المستوى التنافسي الذي يليق بنا بين دول وشعوب العالم.
نقلا عن اليوم