التغيرات الأمريكية والنظام الاقتصادي البديل

09/05/2023 0
فواز حمد الفواز

جاءت نهاية إجماع واشنطن في خطاب اقتصادي بحت ومهم تحدث فيه جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي عن التوجهات الاقتصادية الجديدة في معهد بركونز الفكري، وقدم شرحا بسيطا عن الإجماع الذي سيطر على الطرح الاقتصادي عقودا، جوهر الإجماع دعم أمريكا والدول الغربية الأخرى لسياسة السوق وتحرير التجارة الدولية من خلال تعظيم دور منظمة التجارة الدولية والتخصيص وتوثيق العلاقة بين هذه السياسات والمنظمات المالية العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، طبقا لخطاب سلوفان حدد ثلاثة تطورات مهمة جعلت أمريكا تنادي بنظام بديل. الأول تآكل الطبقة الوسطى في أمريكا بسبب أن التصنيع انتقل إلى الصين خاصة ودول أخرى في شرق آسيا وآخرين، وبالتالي ارتفعت حدة عدم المساواة في المجتمع الأمريكي. الثاني، المنافسة الاقتصادية والجيوسياسية مع الصين، إذ إن الصين تختلف عن الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق الذي لم يكن مؤثرا اقتصاديا وبالتالي سقط لأسباب في مجملها اقتصادية. والثالث، تحديات المناخ التي تأتي أهميتها في طبيعة الدعم المالي والتشريعات التي تحكم برامج الحكومة الاستثمارية الضخمة.

تطورات مهمة أدت إلى تغيير السياسة الأمريكية لأن الظروف الموضوعية مصلحيا واستراتيجيا تغيرت. حاول سولفان تسويق الفكرة عالميا بربطها بمدى الحاجة إلى المرونة، بهذا التغير يقف العالم على شفا تشكيل نظام اقتصادي جديد، لكن سولفان أيضا وجد الأسئلة صعبة بعد الخطاب، فمثلا بدا أن هناك تناقضات فبينما مستوى التجارة ينمو بين أمريكا والصين وكذلك مع أوروبا يصعب "تقليل المخاطر لكن دون انفصال" كما ذكرت أرسلا فاندر لن مفوضية الاتحاد الأوروبي التي أعادها سولفان.

كذلك كيف تتعامل أمريكا مع خطوات اقتصادية سترفع نسبة التضخم مثل محاولة توطين سلاسل الإمداد، والصعوبة في تقليل الاعتماد على الصين في التعدين خاصة في تنقية المعادن. وكذلك الصعوبة في حث شركاء أمريكا على تقليل مصالحهم الاقتصادية مع الصين دون بديل محدد. كذلك بدأت أمريكا ربما استباقيا ببرامج استثمارية حكومية تريليونية لدعم بعض الصناعات المتقدمة مثل أشباه الموصلات والذكاء الصناعي والبنية التحتية والطاقة المتجددة. حتى سولفان ذكر أنه ليست هناك دقة متناهية في كثير من هذه المسائل فنيا واقتصاديا. كما أن هناك تحديات عامة مثل التضخم والديون خاصة في ظل ارتفاع الفوائد.

ربما لم تكن هذه السياسات جديدة إذ إن السياسات الحمائية ضد الصين خاصة بدأت مع إدارة ترمب، والخطاب الذي مفاده أمريكا أولا. الواضح أن الاعتبارات السياسية والاستراتيجية جاءت على حساب الاعتبارات الاقتصادية، لكن أيضا يصعب الفصل لأن التطورات المذكورة أعلاه المحرك الاقتصادي فيها واضح. لعل السؤال الأهم كيف نتعامل ونستفيد من هذه التغيرات؟ منذ تعثر جولة الدوحة لمنظمة التجارة الدولية كان واضحا أن هناك مساحة لسياسات انتقائية دون ضغوط عالمية عالية لكثير من الدول. هذا التغير مهم للمملكة خاصة لأنها تتجه لبرامج استثمارية ضخمة في قطاعات متعددة بعضها يتطلب نقل تقنيات عالية. كما أن هناك خلافات مؤثرة بين دول مهمة اقتصاديا، ما يسمح بمفاضلات تكتيكية تخدم الاقتصاد الوطني خاصة أن لدى المملكة ميزة تنافسية من حيث توافر الطاقة والمرونة المالية والرغبة المتجددة لنمو وتحديث الاقتصاد الوطني. التغير في البيئة العالمية في نظري يخدم تعظيم المصلحة الوطنية إذا تم استغلاله بخطوات انتقائية ومرونة تجريبية بعيدة عن البيروقراطية والتعاون المثمر بين القطاعين.

 

نقلا عن الاقتصادية