ما الذي يجعل المال مالا؟

26/12/2022 1
فهد عامر الأحمدي

حتى وقت قريب كانت الدول تكتب على عملاتها الورقية: "تتعهد الحكومة بالدفع لحامل هذا السند كمية مقابلة من الذهب".

غير أن هذه الجملة أزيلت من معظم الأوراق النقدية بعد 1971 حين فك الرئيس نيكسون ارتباط الدولار بـالذهب.. ومن يومها أصبحت الأوراق النقدية في جميع الدول مجرد أوراق مطبوعة لا تملك قيمة حقيقية، باستثناء ثقة الناس بالحكومة التي تصدرها.

كان هـذا الانفصال بداية لظهور نوع جديد من المال المطبوع الذي "لا يعتمد" على وجود غطاء ذهبي أو مقابل مادي، بل على "ثقة" الناس بالعملة ذاتها، واتفاقهم الجماعي على قـبولها في البيع والشراء.

ومن هـذا نفهم أن المـال "يصبح مـالا" بـشرطين رئيسين:

ــ شرط ارتباطه بأصل مادي ثمين، بحيث يكون نـادرا ومطلوبا ومحدود الكمية كالذهـب والفضة.

ــ وشرط الاعـتراف، بحـيث يعترف به الناس كـ"مال" ويتفقون على استخدامه كوسيلة تداول وعملة مشتركة "حتى حين لا يملك قيمة في ذاته كالأوراق النقدية التي تطبعها الدول".

في الماضي كـانت الإبل أفضل أموال العرب، وفي روما كان الملح الحجري عملة مقبولة، وفي أوروبا كانت البهارات نقـودا يحملها التجار، وفي موريتانيا كان ثراء الرجل يقاس بعدد الآبار التي يملكها، حتى القرن الـ17 كانت "بصلة التوليب السوداء" تشتري منزلا من طابقين في هـولندا.. غير أن كل هذه الأموال فقدت قيمتها اليـوم بسبب انتهاء عامل الندرة وعدم اتفاق الناس عليها كنقود. عادت الإبل والبهارات وبصيلات الورد لتصبح "سـلعا" وليست أموالا يمكن المقايضة بها. حتى استخدامنا للعملات الذهبية والشيكات المصرفية والنقود الورقية تراجع بالتدريج، ودون أن نشعر تقريبا، لمصلحة التحويلات الإلكترونية والبطاقات البلاستيكية والتطبيقات الذكية!

وبصرف النظر عن شكل المال، سيظل شـرطا "الندرة" و"الاعتراف" ضروريين مهما تقدمت وسائل الدفع والتقنيات المالية. سيظلان شرطين أساسين حتى لو غرقت قارات العالم أجمع، كما رأينا في فـيلم عالم الماء Waterworld، وسيتحول التراب -في هذه الحالة- إلى أموال ونقود كونه سيصبح نادرا وعزيزا وأغلى من الذهـب.

وفي المقابل، في حال لم يغرق العالم ونجح العلماء مستقبلا في تحويل التراب إلى "ذهب" لن يصبح جميع الناس أثرياء "كما قـد تتصور" لأن الذهـب سـيصبح حينها .. بـرخص الـتراب.

 

 

نقلا عن الاقتصادية