تمتلك الشركات العائلية ثقلاً اقتصادياً واسعاً حول العالم، حيث أشارت دراسة للمجلس الأطلسي الأمريكي، إلى أن الشركات العائلية تشكل نحو ثلثي الشركات حول العالم، وتشكل ما يتراوح بين 70 إلى 90 % من إجمالي الناتج المحلي السنوي عالمياً، كما توفر نحو 50 إلى 80 % من الوظائف عالمياً، مما يبرز أهميتها ودورها في تحقيق مستويات النمو الاقتصادي العالمي.
لا يوجـــد تعريـــف واحد متفـــق عليـــه للشـــركات العائليـــة بحســـب الأدبيـــات والتقاريـــر المنشـــورة، حيث أشـــارت دراســـة منشـــورة فـــي سويســـرا عـــام2018م بعنـــوان (FAMILY Ownership and the Stock Market ) إلـــى عـــدم وجود تعريف محدد ســـواء مـــن الجانب المالي أو الإداري، ولكن قد تعد الشـــركة عائلية –بحســـب الدراســـة– بناء ً على عدة عوامل منها أن تعريف الشركة عائلية يعتمد علــى نســـــــــبة ملكيــة العائـــــلة في الشركة، وحق التصويــت و التدفقات الـنـــقدية التي يملكها أفراد الأسرة، وأيضاً ادارة الشـــــــــركة مــن قبــل العائلــة وذلـــــــك إذا كـــــــــان مؤســـــس الشـــــــركة أو الشـــــــريك المؤسس هــو الرئــيــــس الـتـنـفـيـــذي لـلشــــــركـــة، فضلا عن عنصر انتقال السلطة إلــى أجيــال أخــــــرى مــن أحــد أفــراد العائلــة بــــعـــد مؤســـــس الشــركة.
ومن أهم نماذج الشركات العائلية الناجحة نجد، العلامة التجارية” Nike” حيث تم إنشاؤها على يد مؤسسها Philip Knight في عام 1964 م، ثم عين نجله Travis Knight خلفا له ليتولى منصب رئيس مجلس الإدارة.
مثال آخر ، شركة ” SAMSUNG ” ، حيث تعد من أكبر الشركات المملوكة للعائلات في كوريا الجنوبية ” CK Hutchison Holdings” من نماذج الشركات العائلية الناجحة في آسيا ، حيث يمتلكها Ka-shing Li أغنى رجل في آسيا وقد تأسست على يده في الخمسينيات من القرن الماضي ويديرها اليوم مع ابنه Vector، ومجموعة ” Hyundai ” الكورية، مثال آخر جيد عن مجموعة الأعمال المملوكة للعائلات، حيث تم تأسيسها في عام 1947 من قبل Juyoung Jeong ورغم أن كيانها واجه عدة تحديات عائلية بعد وفاته إلا أنها استطاعت الحفاظ على ترابطها ونجاحها في نهاية المطاف.
وفـــي السعودية، ظهرت الشركات العائلية مع طفرة النمو التي حدثت في منطقة الخليج العربي، وقد كان ذلك في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وقد كانت بدايتها داخل السعودية، مع تولي الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، مقاليد الحكم، فمع إرساء قواعد الحكم والاستقرار السياسي، وتكون المؤسسات الحكومية، بدأ التجار السعوديين في بناء المؤسسات الخاصة بهم.
تـــم التطـــرق إلى مفهوم الشـــركة العائلية فـــي دليل حوكمة الشـــركات العائليـــة وميثاقها الاسترشادى الصادر عن وزارة التجـــارة السعودية في عام 2014م، وعرفـــت الشركات العائلية بأنها "الشـــركة التـــي تملكها بالكامل أو تســـيطر عليهـــا عائلة معينة"، مع الإشـــارة إلى إمكانية اختلاف معنى الســـيطرة، وأنه يشـــمل في كل الأحـــوال الســـيطرة الناجمـــة عن ملكية أكثرية حصص أو أســـهم شـــركة ما، كذلك ذكر الدليل أنه من غيـــر الضروري أن تعود ملكية الشـــركة العائلية إلى عائلة واحدة فقـــط بـــل قد تكون لأكثر من عائلة. وعد الدليل رغبة الشـــركة في أن توصف بأنها "شـــركة عائلية" معياراً.
وتمثل الشركات العائلية أساس اقتصادي جوهري وأساسي سواء في الاقتصاد السعودي أو الخليجي أو الدولي، كما لعبت دور هام في دعم الاقتصاد والتنمية السعودية، فالشركات العائلية تساهم بأكثر من 800 مليار ريال في الناتج المحلي السعودي سنويا. كما هذه الشركات صاحبة معدل التوظيف الأعلى في القطاع الخاص في السعودي بعدد 7.2 مليون وظيفة بحسب دراسة صادرة من هيئة سوق المال في نوفمبر 2021م، كما يبلغ حجم رأس مال الشركات العائلية في السعودية نحو 250 مليار ريال.
وهناك ما يزيد عن 530 ألف منشأة عائلية في السعودية موزعة على مختلف القطاعات، وفق تقرير هيئة السوق المالية نوفمبر 2021، وكلها تساهم بشكل مباشر في الاقتصاد الوطني، وفى 2022م، تصدرت 37 شركة سعودية تصنيف مجلة "فوربس الشرق الأوسط" لأقوى 100 شركة عائلية عربية في العام 2022، تليها الإمارات بعدد 25 شركة، والكويت بـ 8 شركات.
اعتمد التصنيف على إدراج الأعمال التجارية الخاصة والشركات القابضة المملوكة، أو تلك التي تدار بشكل مشترك أو بالكامل من قبل أفراد العائلات العربية، وشملت المعايير التي استند إليها هذا التصنيف "حجم الاستثمارات، بما في ذلك قيمة الملكية في الشركات العامة المدرجة في أسواق المال، وقيمة الأصول في قطاعات العقارات والضيافة، وإيراداتها من الأصول الأخرى. كما اعتمد التصنيف أيضا على "النشاط التجاري خلال العام الماضي، بما في ذلك طرح شركات تابعة في أسواق المال، والاستثمارات والمشاريع الجديدة، ومدى تنوع الأعمال من حيث القطاعات والامتداد الجغرافي، وتاريخ الشركة وإرثها، وعدد الموظفين".
ونظراً للأهمية الاقتصادية والتنموية للشركات العائلية، اهتمت الحكومة السعودية بالمحافظة على هذا النوع من الشركات، فقد قامت بإنشاء المركز الوطني للمنشآت العائلية الذي يَهدف إلى إبراز دور المنشآت العائلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطويره،
ومما لا شك فيه أن الشركات العائلية تتمتع ببعض المزايا مقارنة بالكيانات التجارية الأخرى والتي تتمثل في تركيزها على المدى الطويل، والتزامها بالجودة والذي يرتبط غالبًا باسم العائلة، لكنها بالمقابل تواجه أيضًا مجموعة فريدة من التحديات الإدارية الناجمة عن تداخل قضايا العائلة والأعمال، فالشركات العائلية تواجه تحديات في كل مكان تتمثل في الاستدامة والحوكمة والتمويل والتي تظهر عندما تنتقل الإدارة من جيل إلى جيل، وينتج عن ذلك إضعاف دورها، وتظهر تلك النقطة حين تنمو هذه الشركات بسرعة دون توفر المواهب الإدارية داخل العائلة، مما يعني أن الشركة ستفتقد فرصا قيمة، وفي بعض الأحيان يفوق عدد أفراد العائلة قدرة الشركة على استيعاب اهتماماتهم وتوجهاتهم المتنوعة مما يقودهم إلى صراع.
كذلك اعتماد معظم أعمال الشركة بشكل كبير على المؤسس، بمعنى أن معظم التصرفات، إن لم تكن جميعها، كانت بقيادة وتنفيذ المؤسس دون إشراك حقيقي لأفراد العائلة في صنع القرار أو حتى توظيف أفراد العائلة في أي جانب من جوانب العمل، هذا الأمر بالإضافة إلى غياب التدريب الكافي والإعداد المسبق والاطلاع المناسب يجعل الجيل الثاني غافلًا عن اتجاه الأعمال والعمليات والأهداف العامة لاستمرارية العمل وتطويره بشكل أكبر، ووفقاً لـ Daniel Fleming رئيس استشاري الثروات في بنك « JPMorgan» أشار إلى أن 30% فقط من الشركات العائلية على مستوى العالم تنجح في الانتقال إلى الجيل القادم، فيما تفشل 70% من تلك الشركات في التوريث.
بالإضافة إلى الافتقار لهيكلة سليمة للشؤون الداخلية للشركة وغياب التدرج الهرمي لهيكل الشركة ولجانها بما ينعكس بالسلب على سياساتها وعجزها عن تسيير أعمالها بشكل واضـح والصلاحيات المتشابكة، والخلط القوي بين ملكية الشركة وبين إدارتها، ورفض الجيل القديم لأي بادرة تطوير أو تغيير، والاستهانة بإمكانات وأفكار الأجيال الجديدة، وعدم تقبل المخاطرة.
خاص_الفابيتا