أصبحت الشواهد المناخية المتطرفة التي يمر بها العالم من ارتفاع في درجات الحرارة وجفاف الأنهار وزيادة تلوث الهواء، كدليل دامغ على أن الوقت قد حان لسد احتياجات البشرية المتزايدة من الطاقة سواء تلك المستخدمة على النطاق الصناعي أو نطاق التدفئة او النقل في العديد من البلاد وذلك من خلال إيجاد بدائل نظيفة للطاقة، ويعد الهيدروجين الأخضر واحدًا من أهم تلك المصادر التي سيكون لها أثر في تقليل حجم الانبعاثات الكربونية المُتسببة في التغيرات المناخية، والسعودية تسعى لأن تكون دولة رائدة في انتاج الهيدروجين الأخضر في العالم.
يجرى انتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلات تعمل على تحليل الماء إلى عنصري الهيدروجين والأكسجين، دون أي نواتج ثانوية ملوثة للبيئة، و التحليل الكهربائي يتطلب في المعتاد استهلاك قدر كبير من الطاقة الكهربائية إلى الحد الذي جعل من غير المعقول إنتاج الهيدروجين بتلك الطريقة، أما اليوم، فقد شهد الوضع تغيراً كبيراً يرجع إلى وجود فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء؛ فعوضًا عن تخزين الكهرباء الفائضة في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة بها في عملية التحليل الكهربائي للماء، بالاضافى إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربي من زيادةٍ في كفاءتها والأبحاث والتطوير في هذا الشأن.
وحالياً يقدر الإنتاج العالمي من الهيدروجين الأخضر بـ (70) مليون طن سنوياً، تستخدمها صناعة سماد الأمونيا والمواد الكيميائية مثل الميثانول، وإزالة الشوائب أثناء تكرير النفط، كما يعمل الهيدروجين كناقل للطاقة الكيميائية، مثل النفط و الغاز، ويخزن ثلاثة أضعاف الطاقة لكل وحدة مثل البنزين التقليدي، وعندما يحترق في الهواء يتحد مع الأكسجين لإنتاج الماء مرة أخرى.
ومستقبلاً تشير التوقعات إلى أن الهيدروجين الأخضر قد يلبي حوالي 25% من احتياجات العالم من الطاقة بحلول عام 2050م، بحجم مبيعات سنوية تصل إلى 770 مليار دولار، ويتوقع مجلس الطاقة العالمي أنه بحلول عام 2025 يمكن أن تغطي استراتيجيات الهيدروجين الوطنية البلدان التي تمثل أكثر من 80٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي منه.
ولأهمية هذا القطاع الواعد، ونتيجة لإقبال عدد كبير من الدول على زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين مثل كندا وفرنسا واليابان وأستراليا والنرويج وألمانيا والبرتغال وإسبانيا وتشيلي والصين وفنلندا؛ فقد أطلقت عدد من البلدان والتكتلات استراتيجيات للاستثمار في الهيدروجين، أبرزها خطة الاتحاد الأوروبي للهيدروجين الأخضر في يوليو 2020، ولدى العديد من الدول الأخرى تطلّعات هائلة لإنتاج الوقود النظيف مثل وروسيا التي تهدف للاستحواذ على 20% من سوق الهيدروجين بحلول 2030، كما إن الإمارات أعلنت تطوير مصنع للهيدروجين للهيمنة على حصة سوقية تصل إلى 25% بحلول العام نفسه. بالإضافة إلى خطط عمان والمغرب ومصر لإنشاء مصانع لإنتاج الهيدروجين.
وفي ظل تلك المنافسة الشرسة بين الدول، تسعى السعودية لأن تصبح موردًا عالميًا للهيدروجين، وتتطلع لأداء دور قيادي في قطاع الوقود النظيف خلال العقود المقبلة وهى احد مرتكزات رؤية السعودية 2030 ، فالتخطيط يجري على قدم وساق لتطوير مصنع هيدروجين بمليارات الدولارات على شواطئ الشمال الغربي للسعودية بمدينة نيوم، إذ تنافس السعودية على لقب أكبر منتج لمصدر الطاقة النظيف، وحال تحقيق هدف الإنتاج اليومي البالغ 650 طن من الهيدروجين الأخضر الصديق للبيئة، ستتحقق أهداف السعودية في هذا القطاع.
وبالإشارة إلى مشروع نيوم، فيهدف مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر إلى بناء أكبر منشأة تجارية في العالم على مستوى المرافق الصناعية تعمل بالطاقة المتجددة لإنتاج الأمونيا والهيدروجين الأخضر، وينفذ المشروع كل من "نيوم" و" Air Products" و"ACWA Power" من خلال تبني أحدث الطرق المبتكرة لتوفير قدرة إنتاجية موحّدة تزيد عن "أربعة جيجا وات" من الطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتخزين. وعند تشغيل المشروع في عام 2026، ستنتج المنشأة 650 طناً من الهيدروجين الأخضر يومياً إضافة إلى إنتاج النيتروجين، وإنتاج 1.2 مليون طن سنوياً من الأمونيا الخضراء، سوف يسهم في الحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدل ثلاثة ملايين طن سنوياً.
فالسعودية حاليًا تشهد نقلة نوعية من خلال اعتمادها الهيدروجين وتفعيل الاقتصاد الدائري للكربون منذ نوفمبر 2019، فقد أيدت السعودية خلال رئاستها لمجموعة العشرين تحولات الطاقة النظيفة من خلال الاقتصاد الدائري للكربون الذي يشمل أربع استراتيجيات وهي تقليل الكربون الذي يدخل الغلاف الجوي من خلال كفاءة الطاقة واستخدام إمدادات طاقة منعدمة الكربون، وإعادة استخدام الكربون من خلال احتجازه وتحويله إلى مادة أولية مفيدة، فضلاً عن إعادة تدوير الكربون بتحويله إلى سماد أو إسمنت أو وقود اصطناعي، بالإضافة إلى إزالة الكربون من النظام وتخزينه جيولوجيًا أو كيميائيًا.
لكن الامر ليس بهذه البساطة، فهذا المشروع الطموح يحتاج الى جهود جبارة لإنجاحه، فيواجــه الهيــدروجين الأخضــر العديــد مــن التحــديات، أبرزهــا التكلفــة العاليــة للمولّــدات الكهربائيــة، وهــي أنظمــة معقدة تتطلــب اســتثمارات رأســمالية كبيــرة، كمــا أن مصــانع إنتــاج الهيدروجين الأخضر تحتاج إلى معدلات استخدام عالية الطاقة على مدار الساعة تقريبًا، لجعلها مربحة. بالإضـافة إلـى ذلـك، فـإن تخـزين الهيـدروجين فـي صـورة غازيـة أمـر بـالغ الصـعوبة، فضـلًا عـن أن تحويله إلى سائل أمر مكلف أيضًا، لذلك يستهدف مشروع "نيوم" تحويلـه إلـى أمونيـا لكـي يصـبح سهل النقل.
وفي تقرير نُشر في 2019 (باستخدام بيانات من 2018)، قدرت وكالة الطاقة الدولية تكلفة الهيدروجين الأخضر بما يتراوح بين (3 - 7.5) دولار ، مقارنة بـ (0.9- 3.2) دولار للكيلو، للإنتاج باستخدام إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار وسيكون خفض تكلفة المحلل الكهربائي أمرًا بالغ الأهمية لتقليل سعر الهيدروجين الأخضر، لكن ذلك سيستغرق وقتًا، وذكرت وكالة الطاقة الدولية إن تكاليف المحلل الكهربائي قد تنخفض بمقدار النصف بحلول عام 2040م.
وتجــدر الإشــارة إلــى أن الحكومــات وشــركات الطاقــة الأُخــرى يجــب أن تســتثمر بكثافــة فــي شــــبكات الطاقــــة، والمــــوانئ، وخطــــوط الأنابيــــب، ومحطــــات الوقــــود التــــي يمكنهــــا اســــتيعاب الهيـدروجين، ويجـب أن يتحمـل الاقتصـاد العـالمي هـذه التكـاليف للحصـول علـى طاقـة متجـددة نظيفة خالية من الكربون.
خاص_الفابيتا