يعتبر التدخين من أكبر المخاطر الصحية عالمياً، حيث يتسبب في وفاة أكثر من 8 مليون شخص سنوياً سواء عن طريق التعاطي المباشر أو التعرض غير المباشر للدخان، ويعيش ما يقارب 80 % من المدخنين بالدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط والتي تعاني من نسب عالية من الوفاة بسبب استهلاك التبغ، بالإضافة إلى الأضرار الاقتصادية الهائلة بما فيها تكاليف الرعاية الصحية وفقد رأس المال.
وتتجه السعودية حالياً إلى رفع أسعار التبغ بأكثر من الضعف، وفقاً لتصريح الأمين العام للجنة الوطنية لمكافحة التبغ مؤخراً، الذي أشار إلى هناك مساعي لرفع أسعار التبغ داخل المملكة بنسبة 150 %، وقد أوصت الدراسات التي أقرتها منظمة الصحة العالمية تؤكد أن أنجح طريقة لمكافحة التدخين ليست التوعية، وإنما التشريعات والسياسات، وأولها زيادة الأسعار. وقال أيضاً أن متوسط سعر علبة السجائر في المتوسط هو 7.5 دولار لكنه في بعض الدول يصل إلى 25 دولارا، مشيراً إلى أن المستهدف حالياً أن يصل إلى 10.5 دولار داخل المملكة.
فالدخان يحتوي على مجموعة كبيرة من المواد السامة لجسم الإنسان ومن هذه المواد، غاز أول أوكسيد الكربون، النيكوتين وعنصر الرصاص الثقيل ومادة القطران، وعنصر البولونيوم وهذا العنصر يتراكم في الرئتين ويعمل على إتلافهما، ومادة الزرنيخ وهذه المادة سامة وتستخدم في القضاء على الحشرات، وأيضاً الكحول حيث يضيفها مصنعو الدخان لإضافة المذاق الطيب إلى الدخان، وإضفاء الرطوبة عليه. ويرجع أول ظهور للسجائر إلى عام 1492م، حيث اكتشف البحارة الإسبان أشجار التبغ في القارة الأمريكية، بينما ظهرت السجائر في الدول العربية بعد هذا التاريخ بمائتي عام تقريباً.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية يتسبب التدخين وغيره من أشكال تعاطي التبغ في وفاة أكثر من سبعة ملايين شخص كل عام، وسبعين ألف سعودي سنوياً من أمراض مرتبطة بالتدخين وفقاً لوزارة الصحة، حيث يعد إدمان التبغ أحد الأسباب الرئيسية للوفاة التي يمكن الوقاية منها في جميع أنحاء العالم، أما عن الخسائر الاقتصادية للتدخين فهي مخفية، حيث تصل تكلفة فاتورة الرعاية الطبية للتدخين، إلى مليارات الدولارات كل عام، وقد بلغت الأضرار الاقتصادية العالمية الناجمة عنه في عام 2019 ما يقرب من 2 تريليون دولار، وهو ما يعادل نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وبحسب دراسة نُشرت في المجلة الأكاديمية Tobacco Control في عام 2021، قالت إن التكلفة الإجمالية للتدخين في دول مجلس التعاون الخليجي الست، البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات، قُدرت بـ أكثر من 14.3 مليار دولار في عام 2016 وحده، وشكل الإنفاق الحكومي على الصحة ما يقرب من 75% من التكلفة. وتابعت الدراسة أنه من بين تلك الدول الست، كانت التكلفة الاقتصادية للتدخين هي الأعلى في السعودية، حيث بلغت أكثر من 6.3 مليارات دولار، وقد قدرت اللجنة الوطنية لمكافحة التبغ من خلال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التبغ والتي أطلقت عليها عنوان (لعبة نهاية التبغ 2030)، حيث بلغت التكلفة الإجمالية التراكمية للتدخين من 2018 إلى 2030 بنحو 480 مليار ريال بالإضافة إلى فقدان سنتين من متوسط العمر للمدخن.
وتحاول الكثير من الحكومات التغلب على هذه الآفة المميتة من خلال رفع الضرائب والجمارك على منتجات التبغ، ورفع أسعارها للحد من انتشارها، ولكن يبقى تصارع الشركات المنتجة للتبغ يشكل عائقاً وتحدّياً أمام هذا الأمر، حتى أن حملات التوعية لبيان أضرار التدخين هي من ضمن الأضرار الاقتصادية للدولة. فالتكلفة الاقتصادية لتعاطي التبغ هائلة حقا، لأنها تشمل تكاليف الرعاية الصحية الباهظة لمعالجة الأمراض التي يسببها، فضلا عن فقدان رأس المال البشري نتيجة الوفيات الناتجة عن تعاطيه بل والأضرار الاقتصادية التي تسببها الحرائق الهائلة كل عام بسبب التدخين.
وبذلت الحكومة السعودية جهوداً حثيثة في حربها ضد التبغ، حيث تهدف إلى خفض استهلاك التبغ إلى أقل من 5% بحلول عام 2030م؛ وحظرت التدخين في الأماكن العامة مثل المطارات والمطاعم والمعاهد التعليمية ووسائل النقل العام من خلال اصدار (نظام مكافحة التدخين) الصادر في 19/06/ 2015م ، حيث هدف النظام إلى حظر زراعة التبغ ومشتقاته، وزيادة الرسوم عليه بقرار من مجلس الوزراء، ويوضح على العلبة التحذيرات الصحية لأضرا التدخين، والتأكد من مطابقة التبغ للمواصفات، ومنع بيع واستيراد ألعاب الأطفال على هيئة السجائر وما شابه، بالإضافة إلى منع الإعلان والترويج للتبغ ومشتقاته.
وقد كشفت بيانات الموقع العالمي "The Tobacco Atlas " المتخصص في مكافحة التدخين انخفاض أعداد المدخنين في السعودية إلى ما يزيد على الثلث مؤخرًا بعد فرض الضرائب على التبغ، وأشار التقرير الحديث إلى نتائج مسح منذ عام 2014م، وإلى عام 2020م تؤكد انخفاضًا في عدد المدخنين في السعودية بنسبة 37% بعد فرض الضرائب عام 2017م على التبغ بكل أنواعه، وتشديد القوانين كحظر بيعه على المراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.
وفي دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2021م، والتي قارنت سياسات مكافحة التدخين حول العالم، أنه في يونيو 2017م أدخلت السعودية أعلى رسوم على السجائر في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وهي ضريبة انتقائية بنسبة 100% وأدت تلك السياسة إلى زيادة سعر علبة السجائر المكونة من 20 سيجارة من أشهر العلامات التجارية، إلى ما لا يقل عن 7.33 دولار، كما انخفض الاستيراد السنوي للسجائر بنسبة تصل إلى 25% بداية من عام 2019م.
وهناك مساعي لرفع أسعار التبغ داخل السعودية بنسبة 150 %، فرفع الأسعار له أكبر الأثر في الإقلاع عن تلك العادة المميتة التي تكبد الدولة سنوياً مليارات الريالات، وقد أثبتت الضرائب على منتجات التبغ أنها أداة فعالة بشكل خاص في مكافحة التدخين، حيث يبدو أن السياسات التي أدخلتها السلطات السعودية قد أدت إلى انخفاض كبير في عدد المدخنين، إلى جانب زيادة في أولئك الذين يسعون للحصول على المساعدة للإقلاع عن هذه العادة.
الوقاية خير من العلاج، فنحن نحتاج إلى التوعية والثقيف بمخاطر التدخين عن طريق وسائل الاعلام والندوات والمحاضرات وتعريف المدخنين والمدخنات بدور فرق مكافحة التدخين في السعودية، ومساعدة من وقع في براثن التدخين في الإقلاع عنه، فالسعودية ثاني دولة عربية تنشئ برامج وعيادات وطنية للإقلاع عن التدخين في عام 2011م، وفى عام 2019م كان هناك 542 عيادة من هذا النوع تعمل في جميع أنحاء السعودية.
وقول الله سبحانه أبلغ {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. [البقرة:195].
خاص_الفابيتا
جدا رائع مبدع ننتظر جديدك