تُعرف الدورة الاقتصادية Business Cycle بأنها "تقلبات منتظمة في مستوى النشاط الاقتصادي، تتعرض لها اقتصادات العالم وتختلف مدة كل دورة وفقاً لقدرة الاقتصاد على الخروج من مراحلها المختلفة والوصول لمرحلة الرخاء". كما تعرف "بدورة الازدهار والكساد"، وتقاس في المقام الأول بارتفاع وهبوط الناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات كالبطالة والتضخم، وبنسب ارتفاع النمو الاقتصادي أو انخفاضه، فعندما تنتعش الدورة الاقتصادية، تتوسع الشركات وتوظِّف عمالًا جددًا، وترتفع الأجور والأسعار، وتشهد سوق الأوراق المالية ارتفاعًا هائلًا، ويسود شعور عام بالنشاط، ثم يشهد الاقتصاد لسبب ما حالة من الاختلال تنتهي بحدوث انكماش اقتصادي فيه يفقد العمال وظائفهم، وتنخفض الأجور والمبيعات، وتشهد سوق الأوراق المالية انخفاضًا، بل وربما انهيارًا تامًّا.
ويعود تاريخ الدورة الاقتصادية إلى القرن التاسع عشر، حيث كان للمؤرخ والخبير الاقتصادي السويسري "جان سيسموندي" الفضل في تسليط الضوء عليها، وفي عام 1860، حدد الاقتصادي الفرنسي "كليمان جوجلار" فترة الدورات الاقتصادية لأول مرة من 7 إلى 11 عاماً.
ويتفق معظم الاقتصاديين حالياً أن مدة الدورة الاقتصادية تتراوح من 3 سنوات إلى 10 سنوات، وتصنّف الدورة الاقتصادية وفقاً للمدة التي تستغرقها في ثلاث فئات قصيرة المدى (1 إلى 3 سنوات)، ومتوسطة المدى (3 إلى 15 سنة)، وطويلة المدى (أكثر من 15 سنة)، ومن الصعب على الحكومات منع الدورات الاقتصادية من الحدوث؛ لكن باستطاعتها التحكم في مدتها، كإطالة فترة الانتعاش والقمة، وتخفيض فترة الركود.
وتتكون الدورة الاقتصادية من أربعة مراحل رئيسية الأولى مرحلة النمو، فتتميز هذه المرحلة بالازدهار والتوسع الاقتصادي، و يرتفع التوظيف وتسجل المؤشرات الاقتصادية قراءات إيجابية، ويستمر النشاط الاقتصادي في النمو، الثانية مرحلة القمة، يصل فيها النمو الاقتصادي إلى ذروته، ويشهد الاقتصاد ارتفاع في الأسعار وحجم الإنتاج، ويصل النشاط الاقتصادي إلى مستويات التوظيف الكلي، وتعتبر هذه المرحلة نقطة تحولية ينتقل بعدها الاقتصاد من الصعود إلى الهبوط.، الثالثة مرحلة التراجع، تتسم هذه المرحلة بتراجع الأسعار والإنتاج، وارتفاع معدلات البطالة ويبدأ الاقتصاد في الانكماش، وتسجل معظم المؤشرات الاقتصادية قراءات سلبية، الرابعة مرحلة القاع، في هذه المرحلة يصل النمو الاقتصادي إلى أدنى مستوياته، ويشهد الاقتصاد انخفاض حاد في الأسعار وحجم الإنتاج، وتسود البطالة، وتعتبر هذه المرحلة هي نقطة تحولية ينتقل بعدها الاقتصاد من الهبوط إلى الصعود.
وتاريخياً كان يوجد 11 دورة اقتصادية من عام 1945 إلى عام 2009، حيث يستمر متوسط مدة الدورة حوالي 69 شهرا، أو أقل قليلا من ست سنوات، بينما استمر متوسط الانتعاش 58.4 شهراً، في حين استمر متوسط الانكماش 11.1 شهراً فقط، وذلك وفقا للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الأمريكي (NBER).
وتتعدد خصائص وميّزات الدورة الاقتصادية، مثل أنها تحدث بشكل دوري ومنتظم، ويكون تأثيرها في حالة الازدهار أو الهبوط على جميع الصناعات داخل الدولة الواحدة، أو يؤثر على الاقتصاد العالمي لكل الدول مثل حالة الكساد الكبير عام 1929 والأزمة المالية العالمية 2008. ویمکن تحليل دورة الاقتصاد بشکل فعال لتحدید محفظة الاستثمار، فالأسهم في قطاعات مثل السلع والتكنولوجيا تزدهر خلال مرحلة الانتعاش المبكر، بينما تزدهر أسهم قطاعات الرعاية والمرافق العامة في فترة الركود .
ومثال أخر لتأثير الدورة الاقتصادية على الافراد عندما يكون الاقتصاد في حالة توسع، تحقق الشركات أرباحًا، مما يؤدي إلى توظيف المزيد من المواطنين، والمزيد من الدخل والإنفاق المتاح. وهو ما يؤدي إلى مزيد من الأرباح للشركات، بينما في حالة الانكماش، تخسر الشركات الأرباح، مما يؤدي إلى تقليص عدد الموظفين وتسريحهم، وعندما يفقد الموظفون وظائفهم، يكون الدخل المتاح أقل وإنفاق المستهلك أقل، مما يؤدي إلى انخفاض أرباح قطاع الأعمال ككل، ويستمر ذلك في حلقة مفرغة، ومن مصلحة الجميع أن يكون الاقتصاد في مرحلة التوسع والازدهار.
وهناك أدوات لعلاج الأزمات الاقتصاديةالناتجة من الدورات الاقتصادية، كالسياسة المالية التي من أبرز أدواتها الإنفاق الحكومي والضرائب ، ولتكون السياسة المالية ذات فعالية يتحتم أن يكون الاقتصاد لديه فائض في عناصر الانتاج يمكن استخدامها إذا ما أنفقنا أكثر، والسياسة النقدية وأهم أدواتها عرض النقود واسعار الفائدة، حيث يقوم البنك المركزي برفع معدلات الفائدة في مرحلة القمة لامتصاص السيولة في السوق لكبح جماح التضخم أما في مرحلة القاع فيقوم بخفض معدلات الفائدة في السوق لزيادة المعروض النقدي في السوق وتسهيل عملية فتح مشاريع جديدة لخفض نسبة البطالة، وهنا تكون السياسة النقدية اجدى في محاربة ارتفاع الأسعار، والتضخم الناتج عن استمرار الارتفاع العام في مستوي الأسعار.
ويتم قياس الدورات الاقتصادية وتحديد بدايتها ونهايتها بالنظر إلى معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الفصلية والمؤشرات الاقتصادية الأخرى، مثل الدخل الحقيقي، وإيرادات التجزئة، والعمالة، ومخرجات التصنيع.
خاص_الفابيتا