نهاية مأساوية لرائد الأعمال الأميركي، سام بانكمان فرايد، الذي بلغت ثروته نحو 32 مليار دولار قبل أشهر قليلة وهو لم يتجاوز الثلاثين ربيعاً بعد. ففي أيام قليلة، وفي سلسلة من التداعيات السريعة، أعلنت شركته «FTX» إفلاسها، لتتبخر بذلك مليارات الدولارات في أيام معدودة، لشركة تُعد ثالث أكبر منصة لتداول العملات المشفرة. وبعد أن كان بانكمان فرايد أحد الأثرياء والشخصيات المرموقة في السياسة والاستثمار، وحتى الأعمال الخيرية، أصبح الآن لقبه الأول «الملياردير السابق»، ولم تَعد سمعته كما كانت.
البداية كانت في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث أصدر الموقع الإخباري «كوين ديسك» تقريراً وضّح العلاقة المشبوهة بين شركتي «FTX» و«ألاميدا»، وكلتاهما مملوكتان لبانكمان فرايد؛ ذلك أن «FTX» أقرضت 10 مليارات دولار من أصل 16 ملياراً من الأصول المشفرة التي عهد بها العملاء إليها، إلى شركة «ألاميدا» التي بدورها استخدمت هذه القروض في مراهنات محفوفة بالمخاطر. ضمانات القروض نفسها وُصفت من أحد الخبراء لاحقاً بأنها ضمانات مراوغة؛ وذلك بسبب أن بعض ضمانات الشركة المقترضة كانت أصولاً في الشركة المُقرضة.
بعد هذا الخبر تداعت الأحداث بشكل متسارع؛ فانخفضت قيمة عملة «fft»، وهي عملة مملوكة لشركة «FTX»، ليعلن عدد من الشركات، ومنها «بايننس»، وهي شركة منافسة، أنها ستقوم بتصفية ممتلكاتها من العملة. «بايننس» نفسها حاولت لاحقاً في الأسبوع نفسه شراء «FTX»، ولكنها تراجعت سريعاً بعد اطلاعها على قوائمها المالية. وفي يوم العاشر من نوفمبر جُمدت أصول الشركة التي تتخذ من جزر الباهاما مقراً لها، لتعلن إفلاسها بعد ذلك بيوم واحد، وانتشرت تقارير عن نية كل من لجنة الأوراق المالية والبورصة ووزارة العدل الأميركية البدء في تحقيق بخصوص الأمر. وقد حاول بانكمان فرايد جمع حزم إنقاذ من المستثمرين قبل إعلان إفلاسه واستقالته، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، لا سيما أن سيولة شركته لا تتعدى مليار دولار، في حين تزيد المبالغ المطلوبة منها على 9 مليارات دولار!
إفلاس «FTX» بهذه الطريقة أشبه ما يكون بالصدمة لعالم العملات المشفرة، وشبّهه رئيس شركة «بايننس» ببداية الأزمة المالية العالمية، التي بدأت بسقوط بنك «ليمان براذرز». ولهذا التشبيه أسبابه: أولها أن الشركة هي ثالث أكبر شركة لتداول العملات المشفرة، ولديها قائمة طويلة من العملاء، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات مالية. ثانيها أن منظومة العملات الرقمية مرتبطة ببعضها بشكل معقد، أشبه بالنظام المالي، وسقوط شركة واحدة قد يعني انتقال العدوى إلى شركات أخرى، مدفوعة بذعر من المستثمرين الذين بدأ بعضهم بالفعل سحب استثماراتهم، حتى إن شركة «بلوك فاي» أوقفت سحب العملاء لأموالهم. هذا الارتباط أدى إلى انخفاض قيمة «بتكوين» لفترة وجيزة إلى ما دون 16 ألف دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ عامين، وهي التي بلغت ذروتها العام الماضي بـ67 ألف دولار.
وقد امتد بالفعل أثر هذا الإفلاس إلى شركات أخرى، منها صندوق التحوط «جاليوس كابيتال» التي اعتذر مؤسسها إلى المستثمرين بقوله إنه آسف للوصول إلى هذه الحالة، وإنه سيحاول بشتى الطرق استعادة ما يمكن من الشركة المفلسة، علما أن شركته استثمرت نحو 100 مليون دولار؛ أي نحو نصف رأس مالها، في «FTX»، واعترف بأنه يحتاج إلى عدة سنوات للعودة إلى ما كانت شركته عليه.
وليس عالم المال وحده من سيتأثر بإفلاس «FTX»، بل حتى عالم السياسة كذلك، فـبانكمان فرايد أحد أكبر الداعمين للحزب الديمقراطي الأميركي، وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد جورج سوروس، وقد كانت التوقعات تشير إلى أنه ضمن الجيل القادم للحزب الديمقراطي في المستقبل. وقد سبق له الوعد بالتبرع بمبالغ تصل إلى مليار دولار للمرشح الذي يدعم مطالبه، إلا أنه تراجع بعد ذلك عن هذا الوعد.
وعلى الجانب الآخر، هناك من يتغنّى بهذا السقوط، منهم الناشطون البيئيون الذين يرون أن اختفاء العملات المشفرة مفيد للبيئة، لا سيما أن تعدين «بتكوين» يستهلك نحو 0.5 في المائة من الاستهلاك العالمي للكهرباء. كذلك يرى البعض أن التعدين هو أحد أهم الأسباب لشح الرقائق الإلكترونية وارتفاع أسعارها.
إن إفلاس «FTX» هو نتيجة مباشرة لضعف الشفافية فيها، وهو ما يجب أن يلتفت له المستثمرون قبل ضخ أموالهم في استثمارات محفوفة بالمخاطر. والفضيحة التي أدت إلى هذا الإفلاس لم تأتِ من شخص مجهول، بل أتت من شركة يملكها أحد الشخصيات المرموقة في العالم المالي والسياسي، وهو نفسه أحد المنادين بالمزيد من التشريعات والتنظيمات للعملات المشفرة. وعلى الرغم من أن العديد يؤكدون أن العملات المشفرة لن تتضرر بهذا الحدث على المستوى البعيد، وأن السوق ستشفي نفسها بنفسها كما هي طبيعة الأسواق، فإن السوق بكل تأكيد لن تنسى هذا الأثر. وبغياب التشريعات للعملات المشفرة، فإن تكرار هذا الحدث أمر محتمل!
نقلا عن الشرق الأوسط