أمريكا.. كارثة اقتصادية تلوح في الأفق

15/09/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

لا صوت يعلو في الولايات المتحدة هذه الأيام على صوت الإضراب المرتقب غداً الجمعة لعمال السكك الحديدية، والذي يمكن أن تؤدي تداعياته إلى ارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية، وتهديد وصول الضروريات الأساسية للحياة، من الغذاء والماء والطاقة، إلى ملايين الأمريكيين وربما يدفع هذا الأمر الاقتصاد الأمريكي للركود في الربع القادم.

من حسن حظ الأمريكيين، أن هذا هو التهديد الوحيد من بين التهديدات الاقتصادية الأخرى التي يستطيع الرئيس جو بايدن إيقافها فوراً عبر إبرام صفقة بين الناقلين المحليين و13من نقاباتها العمالية، وإذا نجح بايدن، فسينقذ المستهلكين الأمريكيين، وإذا فشل، فسيواجه الأمريكيون إغلاق السكك الحديدية المسؤولة عن توصيل الطعام لمحلات البقالة، أو إطعام الحيوانات، أو الكلور لمياه الشرب، أو الفحم لمحطات الطاقة قبل موسمي الحصاد الكبير والأعياد.

الأخطر، أن توقف العمل في السكك الحديدية بالولايات المتحدة قد يكلف الاقتصاد الأمريكي أكثر من ملياري دولار يومياً، كما أنه يأتي قبل أسابيع فقط من مع انتخابات التجديد النصفي، حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لإصدار حكم بشأن أداء بايدن والديمقراطيين في الكونجرس، وقد يكون لأي ضرر آخر على الاقتصاد تداعيات سياسية خطيرة على الديمقراطيين، ولا نستطيع أن نتخيل ضربة أكبر وأسرع لسلاسل التوريد من إضراب السكك الحديدية، لأن الأمر سيكون أسرع وأكثر إلحاحًا من مشكلات سلاسل التوريد التي رأيناها منذ الجائحة، وستلاحظ الغالبية العظمى من الأمريكيين ذلك، سواء عبر التأخير في وصول الطرود البريدية، أو ارتفاع الأسعار، أو ازدحام حركة المرور.

إذا قررت نقابة واحدة الإضراب، فقد يتوقف نظام السكك الحديدية بأكمله في الولايات المتحدة، حتى النقابات التي توصلت إلى اتفاقيات مبدئية مع شركات الشحن من غير المرجح أن تعبر خط اعتصام إذا كان هناك نقابة أخرى مشاركة في الإضراب، وهذا يوضح بجلاء مدى خطورة الوضع، حيث يتصارع البيت الأبيض مع قوى لا يمكن السيطرة عليها تهدد بتقويض جهود الديمقراطيين للحفاظ على أغلبيتهم في الكونجرس، بينما التضخم عالق بالقرب من أعلى مستوياته في أربعة عقود، والاحتياطي الفيدرالي يواصل رفع أسعار الفائدة في محاولة لكبح التضخم، فيما عانت وول ستريت الثلاثاء الماضي من أسوأ أيامها هذا العام حين انهارت جميع المؤشرات الرئيسية بنسب تتراوح بين 4 و5 في المائة على خلفية تقرير تضخم أعلى من المتوقع.

قد يكون التوقف عن العمل ضارًا بشكل خاص للمزارعين في المناطق الريفية النائية عن وسائل النقل الأخرى، خاصةً وأنهم يستعدون للحصاد خلال الأسابيع المقبلة، ففي ولاية داكوتا الشمالية، على سبيل المثال، ينقل المزارعون نحو 75 في المائة من حبوبهم بالسكك الحديدية، بما في ذلك الذرة وفول الصويا، وحتى لو كان هناك توقف عن العمل لفترة قصيرة، فإن تأثيرها سيكون مضاعف وضار للغاية، ومع عدم وجود وسيلة أخرى لتسليم بضائعهم، ستترك ملايين الأطنان من المحاصيل راكدة في المصاعد أو المخازن حتى يتم حل معضلة التوقف عن العمل.

لا يمكن للمزارعين الحصول على ما يكفي من الشاحنات لإبقاء الأمور تحت السيطرة، وسيشعر الأمريكيون بآثار الإضراب على مضخات البترول والغاز، إذ يتم نقل قرابة 300 ألف برميل من النفط الخام يومياً عبر السكك الحديدية، وأي تأخير في التسليم سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ومعظم البنزين في الولايات المتحدة يتم نقله عبر السكك الحديدية، وقد يتسبب عرقلة تسليمه في خفض الإنتاج، وهذه الضربة ستجعل الوضع الهش أسوأ.

قد يأتي الحل السحري من الكونجرس الذي يتمتع بالقدرة على التدخل في حال بدا انقطاع الخدمة وشيكًا، وقد فعل ذلك في الماضي، خاصة وأن إغلاق السكك الحديدية على مستوى البلاد قد يكلف الاقتصاد مليارات الدولارات يوميًا ويؤثر سلبًا على ملايين الأمريكيين، لأن إيقاف عمليات السكك الحديدية سيؤدي إلى إغلاق واسع النطاق للمصانع، ويفاقم تحديات سلاسل التوريد، ويهدد بنقص منتجات التجزئة، وفقدان الوظائف والإنتاجية، وهي أزمة من شأنها التردي في بئر سحيق من الانكماش الاقتصادي.

 

 

خاص_الفابيتا