مصيدة الديون وتحديات الاقتصاد العالمي

05/08/2025 1
فضل بن سعد البوعينين

باتت فرنسا قريبة من التعرض لسيناريو أزمة الديون اليونانية. وبالرغم من الاختلاف الكبير في حجم وتنوع الاقتصادين الفرنسي واليوناني، إلا أن التوسع في الدين العام، والتهاون في ضبط الميزانية والحد من عجوزاتها المتراكمة يدفع فرنسا نحو أزمة سيادية، ويقود اقتصادها نحو الهاوية، بلغت نسبة عجز الميزانية الفرنسية بنهاية 2024، ما يقرب من 5.8 %، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة الدين العام 113 % من الناتج المحلي الإجمالي، وأنفقت الحكومة الفرنسية ما يقرب من 67 مليار يورو على فوائد الديون من بداية عام 2025، ومن المتوقع أن تصل خدمة الدين العام إلى 100 مليار يورو في العام القادم، لتحتل البند الأول، من بين بنود الإنفاق العام، رئيس الوزراء الفرنسي حذر من تدهور اقتصاد بلاده إذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة، تفضي إلى تخفيض الدين والنفقات وعجز الميزانية العامة، وهي خطوة مهمة للمعالجة، غير أنها جاءت متأخرة جدا، ما يعني إمكانية تعرض الاقتصاد الفرنسي لأزمة مالية خانقة قد تطول الاتحاد الأوروبي، والاقتصاد العالمي.

توسعت فرنسا في ديونها السيادية بشكل مبالغ فيه، رغبة منها في تحفيز الاقتصاد وتعزيز النمو، دون التبصر بمخاطر التوسع في الدين العام لسد العجز، وتلبية متطلبات الإنفاق التوسعي الذي لم يحقق النتائج المتوقعة، أو التي وعد بها المستشارون والتنفيذيون، الأكثر تفاؤلا بالمستقبل!، رؤية متفائلة بمستقبل الاقتصاد وقدرته على النمو، وأهمية التمويل لمعالجة التحديات، وتلبية الاحتياجات المتنوعة، أسقطت فرنسا في مصيدة الديون، ودفعتها نحو الهاوية، وهي الرؤية الوردية التي تكررت مع جميع الدول التي تعاني اليوم من أزمة تضخم الديون، أو تلك التي تعرضت لانهيارات مالية غير مسبوقة، نعمة الديون التي وجدت فيها الحكومة الفرنسية حلا عاجلا لتلبية متطلبات الإنفاق، تحولت، مع مرور الوقت وتراكم الديون، إلى نقمة تهدد اقتصادها ونظامها المالي، وخطرا سياديا وأمنيا غير مسبوق، وكابوسا لا يمكن التخلص منه بسهولة.

ما يحدث في فرنسا ليس بعيدا عما يحدث في بعض الدول الأوروبية الأخرى، فإيطاليا، وإسبانيا، بل وحتى ألمانيا قد تواجه بأزمات مالية مستقبلية، تمتد تداعياتها لتصيب دول الاتحاد الأوروبي، والاقتصاد العالمي بمشكلات حادة. الحرب الروسية - الأوكرانية، ومتطلبات التوسع في الإنفاق العسكري لتوفير الحماية الذاتية، أو المساهمة في نفقات الحرب التي تفرضها الولايات المتحدة، سيزيد من المشكلات، ويتسبب بنشوب أزمة مالية واقتصادية شاملة، وإذا أضفنا إلى ذلك التحديات الجيوسياسية العالمية، وحزمة الرسوم الجمركية الأمريكية، وأزمة الدين العام الأمريكي الذي ناهز 37 تريليون دولار، يصبح وضع النظام المالي، والاقتصاد العالمي أكثر خطورة، وأقرب لتفجير أزمة مالية عالمية.

يقال، طريق جهنم معبد بالنيات الحسنة، وكذلك مصيدة الديون التي تزداد عمقا، كلما زاد تفاؤل الحكومات بمستقبل الاقتصاد ونموه، ونمو إيرادات خزينة الدولة، والقدرة على السداد، بمعزل عن متغيرات الاقتصاد العالمي، والمخاطر المفاجئة، المغذية للأزمات العالمية، والمتسببة في تدهور اقتصادات الدول، وانخفاض دخل الحكومات، وارتفاع نسبة عجز الميزانيات، ما يقود لزيادة حجم الديون، وارتفاع تكاليفها، وتأثيرها المباشر على الإنفاق العام.

ما يحدث في فرنسا، وبعض دول أوروبا، وما حدث في البرازيل والأرجنتين من قبل، أرتبط مباشرة بالديون السيادية، ما يؤكد بأن الإفراط في الديون، يدفع الدول نحو الأزمات المالية الحادة، ما يستوجب التبصر في حجم الديون، وضرورة العمل على تقليصها، والحد من العجز في ميزانيات الدول، والعمل على معالجة التحديات الجيوسياسية بالطرق الدبلوماسية وتجنيب العالم أزمات مالية واقتصادية وسيادية قد تحدث مستقبلا.

 

 

نقلا عن الجزيرة