لماذا يصعب ترويض التضخم؟

08/09/2022 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

يبحر بنك الاحتياطي الفيدرالي وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيئة اقتصادية صعبة للغاية، فحتى لو هدأت أسواق العمل، سيظل التضخم متقلبًا بسبب السياسات الفيدرالية سيئة التصميم والتناقضات الكبيرة بين توقعات أجور العمال وقيمة ما ينتجوه، والواقع أن العديد من الأسر الأمريكية قد شهدت خلال الجائحة زيادة قياسية في الدخل بفضل مدفوعات التحفيز، ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإعانات البطالة، حتى أن 68٪ ممن كانوا يتلقون إعانات بطالة أصبح لديهم دخل أعلى مما كانوا عليه في السابق.

مع نقص العمالة وإغلاق الشركات، حصل الأمريكيون على دخل إجمالي اسمي تجاوز قيمة ما ينتجون، ولم يرتفع التضخم منذ البداية لأن الأسر لم تنفق ما يكفي من هذا الدخل، فقد جمعت حوالي 2.5 تريليون دولار من المدخرات الإضافية، وحتى مع تسارع التضخم الكلي،  فشل المستهلكون في توقع الزيادات التاريخية للأسعار التي ربما يتحملونها، ولا شك أن الدخل الشخصي المتضخم تسبب في شعور العديد من الأفراد بأنهم أكثر ثراءً على المدى الطويل، والآن بعد أن تجاوز التضخم الأجور الاسمية، يتردد العمال في التخلي عن هذا الرخاء الزائف.

يفضل العديد من العمال الأمريكيين الآن البقاء في منازلهم لأن لديهم مدخرات جيدة، وقد أدى ذلك إلى انخفاض معدل مشاركة القوى العاملة مما عطل العمل في الكثير من موانئ التصدير وعرقل سلاسل الإمدادات، ونعتقد أن العمال محظوظون بما يكفي للاستمتاع بالطلب المرتفع على خدماتهم عقب تفشي الوباء، وخاصة العاملين في قطاع التكنولوجيا، حيث اعتاد هؤلاء العمال على التنقل بين الوظائف وتحديد شروطهم الخاصة.

لا يمكن للاحتياطي الفيدرالي تسخير دوامة الأجور والتضخم عبر رفع الفائدة بالمستويات الحالية، ومع قدرة الشركات والأسر على الاقتراض بمعدلات لا تزال أقل من التضخم الحالي، سوف يلاحق العمال مدراءهم مطالبين بأجور أعلى،  مما سيدفع الشركات لزيادة الأسعار بشكل أكبر، ومن هنا، يركز رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول على "الاهتمام العقلاني"، بحيث يدفع نمط التضخم المستمر الأسر والشركات إلى زيادة ترشيد قرارات الإنفاق والأجور والتسعير، ونتوقع أن يستمر الكثير من المال في مطاردة عدد قليل جدًا من البضائع لفترة طويلة.

على جانب العرض، تعتبر سياسات الطاقة الخضراء في الولايات المتحدة مثال كلاسيكي حي على عدم معرفة اليد اليمنى بما تنفقه اليد اليسرى، فبينما يبذل بايدن  قصارى جهده لتشجيع الطاقة النظيفة، ويضاعف قانون خفض التضخم السياسات الخضراء،  وينص على مزيد من تأجير الأراضي الفيدرالية لتطوير النفط والغاز، فإن القول بأن القانون سيحارب التضخم هو إعلان كاذب، فالسيارات الكهربائية نادرة بالفعل،  وستؤدي زيادة دعم المشتريات إلى زيادة الطلب وتفاقم النقص وتعاظم الضغوط التضخمية، وبالمثل، فإن تمديد إعانات فترة الجائحة سيصب في صالح شراء بوالص التأمين الصحي، وهذا الأمر سيشجع مقدمي الخدمات الطبية على رفع الأسعار. 

خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، اشتهرت الحكومة الفيدرالية بتقنين المواد الغذائية، والبنزين والأحذية وغيرها من المواد الاستهلاكية اليومية، وعبر العقوبات الأمريكية على روسيا تم الحد بشكل كبير من إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وتقليص صادرات البحر الأسود من الحبوب والبذور الزيتية، وبصرف النظر عما سيحدث، فإنه لا أحد يقترح تقنين المواد الاستهلاكية لتخفيف ضغوط التضخم، لذلك، يظهر النقص كرد فعل على الزيادات المذهلة في الأسعار والمواد المفقودة في محلات البقالة ومضخة الغاز، في المقابل، ترفع الشركات الأسعار بقوة، ضاربة بحصصها السوقية عرض الحائط، فالمهم لديها الآن هو الحفاظ على تماسك الأسعار التي تدعم الأرباح السنوية.

 

 

خاص_الفابيتا