ثقوب في قصة الركود

18/08/2022 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

المدهش جداً أن نتابع عبر وسائل الإعلام المختلفة مدى الانتشار الواسع لرواية الركود حول العالم، فالجميع تقريبًا يعتقد بأن الاقتصادات المتقدمة تتجه إلى مرحلة الركود أو هي بالفعل في حالة ركود، حتى أن الشركات والأسواق والمستثمرين يريدون معرفة كيفية الاستعداد للركود، وشخصياً، لا أعرف أي ركود سابق كان متوقعًا بثقة مثل الركود المفترض الآن، وهذا الأمر يفرض سؤالاً محورياً حول مدى دقة التشاؤم السائد  والقائل بأن 2022 سيكون عامًا سيئًا للأسواق، فهل لهذه النظرة السوداوية ما يبررها حقاً؟.

لا شك أن كون "الركود" كلمة مرعبة هو أن فتراته عادة ما تكون غير متوقعة، حيث يميل المتنبئون الاقتصاديون إلى عدم رؤيتها إلا بعد وصولها بالفعل، وهذا ما حدث في 2008، والذي كان ركوداً فريدًا إلى حد ما، ومرة أخرى يعود بسحنته الكئيبة في عام 2020 بسبب الجائحة، حتى بعض البنوك المركزية، وبالتحديد، بنك إنجلترا يتوقع حدوث ركود في وقت لاحق من هذا العام.. صحيح أن ربعين متتاليين من النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي يُؤخذان عادةً على أنهما إشارة إلى أن الاقتصاد في حالة ركود، إلا أن القصة بها ثقوب، فالناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة انخفض في الربعين الأولين من هذا العام، لكن، يجب أن نأخذ في الاعتبار الأسباب المحددة للانكماش الظاهر، مثل الانخفاض الكبير في المخزونات والنمو القوي للوظائف، واللذان يرويان قصة مختلفة تتناقض مع المؤشرات الأخرى، ولهذا، لم يتفاجأ الكثيرون حينما أعلن المكتب الأمريكي للبحوث الاقتصادية أن الولايات المتحدة ليست في حالة ركود.

باَلإضافة لذلك، فإن السرد السائد يؤكد أن جميع المؤشرات المتوسطة والطويلة الأجل تستبعد تضخماً مستداماً، وقد يكون مؤشر توقعات التضخم لخمس سنوات بجامعة ميشيغان، الذي يراقب عن كثب، قد ارتفع لفترة وجيزة فوق 3 في المائة، لكنه تراجع إلى 2.9 في المائة، مما يشير إلى أن المستهلكين العاديين يعتبرون الارتفاع الهائل في التضخم هذا العام مؤقتًا، وإذا استمرت معنويات المستهلكين في التراجع خلال الأشهر المقبلة، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد يصبح أقل تشددًا.

ينبغي أن نلاحظ أن أسعار السلع الأساسية بالرغم من أنها لا تزال مرتفعة منذ العام الماضي، إلا أنها ظلت مستقرة نسبيًا في الأسابيع الأخيرة، وربما يبدأ التضخم في الانخفاض تدريجياً، ومن المثير للاهتمام، أنه بينما حظيت توقعات بنك إنجلترا بحدوث ركود باهتمام كبير، فإن القليل من الناس قد لاحظ أن البنك المركزي البريطاني ذاته قد توقع في نهاية المطاف أن ينخفض التضخم عن ذروته المرتفعة خلال عام 2023.

تفترض معظم أبحاث البنوك الاستثمارية في الوقت الحاضر بأن البنوك المركزية ستكافح بقوة أي انتعاش في السوق المالية لأنها لا تستطيع السماح بتخفيف الظروف المالية في البيئة الحالية من البطالة المنخفضة، وضغوط الأجور المتزايدة ومخاوف التضخم، ومع ذلك، فإن أميل للاعتقاد بأن محافظي البنوك المركزية سيغيرون رأيهم في مرحلة ما بشأن المناخ الاقتصادي، والحقيقة، أنه لا يوجد خبير اقتصادي خارق للعادة يتوقع ما سيحدث بكل دقة، ولهذا، علينا أن  نتذكر أنه طوال عامي 2020 و2021، كان الإجماع بين محافظي البنوك المركزية على أن التضخم عابرًا، رغم أنهم غيروا رأيهم بعد ذلك، حينما تبين لهم أنهم كانوا مخطئين تمامًا، ولكن أيضاً، من السابق لأوانه أن نصبح متفائلين للغاية، فمخاوف الركود لها ما يبررها، فإذا انعكس الهبوط الأخير في الإشارات التضخمية، مثل أسعار السلع والمنازل والسيارات، والتوقعات التضخمية طويلة الأجل، فسيتعين علينا التراجع.

على أي حال، فإننا نأمل أن يكون التشاؤم مبالغًا فيه، إذ تواجه الاقتصادات العالمية تحديات كبيرة، ليس أقلها ضعف نمو الإنتاجية بشكل مستمر، وهذا الأمر له آثار سلبية على العديد من المجالات الأخرى للحياة الاجتماعية ، وهذه الاقتصادات ستواجه تحديات هائلة ومتكررة في السنوات القادمة مهما كانت الظروف، وسيكون من دواعي الارتياح للمستهلكين أن يدركوا أنهم كانوا مخطئين حينما تركوا التشاؤم  يتغلب علي مشاعرهم فيحجموا عن الإنفاق، وأعتقد أننا جميعاً نشعر بالفضول حينما يكون هناك إجماع قوي حول شيء ما، خاصةً عندما تتعارض الأدلة الفعلية معه، وهذه هي الدراما الاقتصادية.

 

 

خاص_الفابيتا