رغم قسوة العقوبات الغربية الراهنة على روسيا، إلا أن وكالة الإحصاء الحكومية الروسية، والبنك المركزي الروسي دأبا مؤخرًا على الإعلان عن بعض النتائج الاقتصادية الجيدة بشكل مثير للريبة، والحقيقة أن التعمق في أرقام الإنتاج الصناعي يعطينا صورة أكثر دقة، حيث تم سحق العديد من القطاعات المهمة، وقطاع السيارات أولها، فيما تم تقييد نصف احتياطات البلاد من العملة الصعبة، أي حوالي 300 مليار دولار، وكبح صادرات البلاد النفطية بشكل كبير عندما رفض التجار الدوليون شرائه لعدة أشهر، وتوقفت مجموعة كبيرة من الواردات المهمة، وأغلقت أكثر من 1000 شركة متعددة الجنسيات متاجرها وتركت السوق للأبد، وقد تسبب هذا في صدمة تشبه انتكاسة المالية الروسية في عام 2014، عندما تدهورت أسعار النفط.
من السهل الاعتقاد بأن خداع الأرقام الاقتصادية يلائم الغرض الدعائي المتمثل في طمأنة الجمهور الروسي بأن إجراءات الحكومة المناهضة للعقوبات تعمل بشكل ممتاز وفعال، والحقيقة أن الحكومة رفضت الإبلاغ عن الكثير من البيانات الأساسية منذ بداية الحرب مما أثار الشكوك بأن هذا الأمر يستهدف حشد الدعم الشعبي للحرب، ولهذا فإن معرفة مدى الضرر الاقتصادي لا يجب أن يعتمد فقط على الأرقام الرسمية، ولكن يتعين فحصها مع الإحصاءات غير الرسمية، ومصادر البيانات غير التقليدية، بما في ذلك بيانات المستهلكين، وتقارير القنوات الاقتصادية المتخصصة، وإصدارات الشركاء التجاريين لروسيا، ومقارنة بيانات الشحن المعقدة بالنتائج المعلنة، وهنا يتبين أن العقوبات تشل الاقتصاد الروسي بالفعل على المدى القصير والطويل.
هناك أيضاً بعض الحقائق الكلية، ومنها أن وضع روسيا كمصدر رئيسي للسلع الأساسية تدهور بشكل لا رجعة فيه؛ وأن وارداتها انهارت إلى حد كبير، وبدون هذه الواردات يتوقف الإنتاج المحلي وتصل البلاد إلى مرحلة الجمود التام، بالإضافة إلى ذلك، أجبرت الشركات الأجنبية التي تمثل 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الإغلاق ؛ فيمل لجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تدخل مالي ونقدي دراماتيكي غير مستدام بشكل واضح للتخفيف من نقاط الضعف الهيكلية في الاقتصاد الروسي، أما الأسواق الروسية فهي بلا مبالغة الأسوأ أداءً في العالم هذا العام؛ ولا يوجد طريق للخروج من نفق النسيان الاقتصادي طالما ظلت العقوبات سارية المفعول، أما عناوين الأخبار التي تجادل بأن الاقتصاد الروسي قد ارتد مرة أخرى بشكل إيجابي فلا نعتقد أنها واقعية، لأن الحقائق تشير إلى أن الاقتصاد الروسي يعاني بقوة، والافتراض الأساسي لدينا هو أن قضية الاستثمار في روسيا دمرت، وأن البلاد تواجه مرحلة الركود طويل الأمد.
في زمن القرية الكونية والإنترنت، هناك تقييمات خاصة للاقتصادي المستقل، ولن يعدم طريقة للتحقق من صحة الأرقام الرسمية، وذلك عبر الرجوع إلى بيانات مثل الإنتاج الصناعي واستهلاك الطاقة، ودخل الفرد، فمقارنة هذه الأرقام بالنتائج النهائية تجعل الغش أكثر صعوبة، بالإضافة إلى ذلك، فإن توافق النتائج الرسمية لروسيا مع نتائج المؤسسات الدولية يجعل توقعات الاقتصاديين المستقلين أقرب للصواب، فعندما حسن صندوق النقد الدولي مؤخرًا توقعاته للنمو لهذا العام من -8٪ إلى -6٪، وحسن البنك المركزي الروسي توقعاته في نفس الوقت تقريبًا من - 8٪ إلى -5٪، توقع الاقتصاديون المستقلون انكماشًا أيضًا بنسبة 6٪.
ولكن من أين يأتي التشكيك؟، أحد الأسباب الرئيسية هي أن الحكومة الروسية توقفت عن الإبلاغ عن الكثير من البيانات الرئيسية منذ فبراير الماضي لأنها تتخوف أن تُستخدم الأرقام من قبل الغرب كمبرر لفرض المزيد من العقوبات، ومن بين الإحصاءات التي لم يتم الإبلاغ عنها خلال خمسة أشهر: التجارة الخارجية، وتفاصيل الإنفاق في الميزانية، وأرقام إنتاج النفط والغاز، ونتائج الشركات الكبرى المملوكة للدولة، وأرباح القطاع المصرفي، وتفاصيل الودائع والقروض، وبالتالي، فإن هذا التكتم الشديد يصعب من عملية إجراء تقييم شامل لتأثير العقوبات التي يدعى البعض بأنها لا تعمل.
خلال الأزمة، استهدف الغرب صادرات النفط الروسية، إلا أن الهند والصين اشترتا كل النفط الذي كان يتم إرساله في السابق إلى أوروبا، وبهذا، تكسب روسيا بالفعل من العقوبات أكثر مما تكسب في الأوقات العادية، لكن الكرملين ينتقي أيضًا من بين الإحصائيات، ويروج لتلك التي تضعها في أفضل صورة، وحتى تلك الإحصاءات الإيجابية التي تم إصدارها مشكوك فيها تمامًا عند قياسها مقابل عمليات التحقق عبر القنوات والمعايير البديلة، وبرغم الضغوط التي مورست لإفساد النزاهة الإحصائية بهدف رسم صورة ألم أكثر اعتدالًا، فإننا نرى بأن الاقتصاد الروسي يعمل في الوقت الحالي بشكل أفضل بكثير مما كان متوقعًا.
لسنا ننكر أن أسعار السلع الأساسية ارتفعت بفعل الحرب وأن هذا لمصلحة روسيا، كما لا يمكن إنكار أن جهود إحباط صادرات النفط الروسية فشلت إلى حد كبير، لذلك تحقق موسكو عائدات ضخمة، حتى لو تم كبح قدرتها على إنفاق تلك الأموال، ولكن مع استمرار الصراع وعودة الأسعار إلى وضعها الطبيعي، ستبدأ العقوبات على التكنولوجيا الروسية خصوصاً في الظهور وسيبدأ الألم الحقيقي للعقوبات، الأمر الذي سيقضي على الاقتصاد الروسي ويجعله في حالة ركود، وهنا لن يصبح السؤال إلى أي مدى يعاني الاقتصاد الروسي، ولكن متى ستبدأ هذه المعاناة بشكل جدي؟.
خاص_الفابيتا
طبعاً هذا على أساس ان المعلومات الاحصائية والبيانات الامريكية والاوروبية عال العال وسليمة من أي تزوير وتلاعب فيها
((هناك أيضاً بعض الحقائق الكلية، ومنها أن وضع روسيا كمصدر رئيسي للسلع الأساسية تدهور بشكل لا رجعة فيه؛)) !؟!
يقول الشاعر الجاهلي # من يلق خيرا فالناس قائلة له ما يشتهي ....ولأم المخطئ الهبل ..!!