استمر انخفاض معدل البطالة بين المواطنين للربع السابع على التوالي إلى 10.1 في المائة بنهاية الربع الأول من العام الجاري، حسبما كشف عنه أحدث نشرات سوق العمل المحلية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء نهاية الأسبوع الماضي، ويعد المعدل الأدنى في منظور 13 عاما مضى. وأتت تلك النتائج الإيجابية كثمرة لعديد من العوامل الرئيسة طوال الـ12 شهرا التي سبقت نهاية الفترة، كان من أبرزها إضافة صافي 250 ألف وظيفة لمصلحة المواطنين والمواطنات في مختلف منشآت القطاع الخاص، ليرتفع بإجمالي العمالة المواطنة في القطاع إلى أكثر من 2.0 مليون عامل وعاملة، كأعلى مستوى تاريخي تصل إليه، وليستقر معه معدل التوطين عند 23.4 في المائة.
يمكن بلورة العوامل الرئيسة التي أسهمت مجتمعة في تحقق تلك النتائج الإيجابية، وكمؤشر على تسارع معدلات التعافي الاقتصادي من الآثار والتداعيات التي خلفتها الجائحة العالمية لكوفيد - 19، كان 2020 الفترة الأكبر لحدوث تلك التداعيات، وما ترتب عليها من ارتفاع لمعدل البطالة بين المواطنين والمواطنات، بوصوله إلى 15.4 في المائة بنهاية الربع الثاني من 2020. ومع تسارع وتيرة التعافي الاقتصادي والعودة المتدرجة إلى تشغيل مختلف النشاطات، اتخذ معدل البطالة مسارا هابطا حتى وصل إلى 11.3 في المائة مع منتصف العام الماضي، وليبدأ من النصف الثاني عديد من برامج التوطين المتنوعة والمتخصصة، التي اتسمت بديناميكية أعلى وأقرب إلى المتغيرات القائمة في سوق العمل المحلية، بعد أن أحدثت وزارة الموارد البشرية كثيرا من التغييرات النوعية على تلك البرامج المتعلقة بالتوطين، ولا تزال تلك المبادرات تتدفق على بيئة السوق فترة بعد فترة، أخذا في الحسبان عديدا من الجوانب ذات العلاقة بضرورة المحافظة على استقرار القطاع الخاص، خاصة أنه ما زال في طور الخروج المتدرج من الآثار والتداعيات التي خلفتها الجائحة العالمية.
حيث تمحورت التغييرات التي تم إجراؤها على مبادرات وبرامج التوطين حول نمطين رئيسين، اللذين تمثلا في النمط الأول: المعتمد على نوع الوظائف من حيث التخصصات، باستهدافه بطالة التخصصات، واشتمل على 18 قرارا نوعيا. أما النمط الثاني: فقد كان المعتمد على العدد من الوظائف، وتركزه على الوظائف التي لا يتطلب شغلها بمواطنين ومواطنات من ذوي المؤهلات المحددة، ووصل عدد القرارات المتعلقة بهذا النمط من التوطين إلى عشرة قرارات، استهدفت في مجملها ضمان استيعاب أكبر عدد ممكن من المتعطلين من ذوي المؤهلات غير المطلوبة في سوق العمل المحلية.
وتنوعت القرارات ومستهدفاتها تجاه عديد من الأنشطة والمهن، بما يؤدي إلى تعظيم الأثر لمصلحة الباحثين والباحثات عن عمل من المواطنين، والسعي نحو توفير فرص عمل لجميع شرائح الباحثين والباحثات عن عمل على مستوى مناطق المملكة. كما تم تصميم منهجية بناء واتخاذ القرارات بناء على مبدأ العرض والطلب، ما زاد بدوره من كفاءة وفاعلية تطبيق تلك القرارات، وأدى إلى مزيد من امتثال منشآت القطاع الخاص، الذي ظهرت نتائجه بصورة واضحة على تصاعد أعداد العمالة المواطنة بمعدلات نمو سنوية وصلت إلى 11.9 في المائة بنهاية الربع الأول من العام الجاري، قابلها تراجع مستمر لمعدل البطالة خلال الفترة نفسها. وأسهمت أيضا اشتراطات التوطين التي تم إقرارها خلال الفترة، كالتراخيص المهنية، والحد الأدنى للأجور، في رفع فاعلية تطبيق تلك القرارات، وأسهمت بدرجة كبيرة في تحجيم التوطين الوهمي، وفي زيادة من متوسط الأجور للعاملين الجدد في المهن المستهدفة، وهو ما انعكس بصورة إيجابية على توزيع العمالة المواطنة في القطاع الخاص على مستوى الأجور الشهرية، حيث انخفضت نسبة العمالة المواطنة ذات الأجور التي تبدأ من 3.0 آلاف ريال شهريا فما دون إلى 6.7 في المائة من الإجمالي، مقارنة بنسبتها التي تعلو 41.0 في المائة قبل عامين ماضيين.
إجمالا، أسهمت التغييرات الجوهرية في برامج التوطين، ونقلها من النمط الجامد الذي كانت عليه طوال أعوام مضت، إلى النمط الأكثر ديناميكية والأقرب لما يجري على جانبي العرض والطلب في سوق العمل المحلية، في تحقق كثير من النتائج الإيجابية الراهنة على أرض الواقع، سواء على مستوى رفع معدل التوطين، أو على مستوى خفض معدل البطالة، ولا يزال الطموح أكبر بمزيد من الجهود والمبادرات التي يؤمل أن تسهم في زيادة مساهمة العمالة المواطنة في الاقتصاد الوطني عموما، وفي سوق العمل المحلية على وجه الخصوص، واقترانه بمزيد من تحسن مستويات الأجور الشهرية، إضافة إلى زيادة استحواذ العمالة المواطنة على أغلب فرص العمل المرتفعة الدخل والمستوى الوظيفي على حد سواء، وهو ما بدأ تحققه في عديد من المهن والمجالات، حيث ارتفع عدد المواطنين والمواطنات في مهن الصيدلة 290.2 في المائة، وارتفع 274.2 في المائة في مهن طب الأسنان، وارتفع 208.1 في المائة في قطاع الاستشارات القانونية، وارتفع 194.9 في المائة في قطاع التعليم العام الأهلي، وارتفع أيضا 102.7 في المائة للمهن المحاسبية، وارتفع 177.1 في المائة في قطاع الأجهزة الطبية، وارتفع كذلك 46.4 في المائة في المهن الصحية "الأشعة، والمختبرات، والعلاج الطبيعي، التغذية العلاجية"، كما ارتفع 60.1 في المائة في مجال المطاعم والمقاهي، وارتفع أيضا 58.9 في المائة في المهن الهندسية، وارتفع 58.0 في المائة في الأنشطة والمهن العقارية، وارتفع على مستوى وظائف الاتصالات وتقنية المعلومات 51.5 في المائة، وارتفع أيضا 39.4 في المائة للمهن الفنية الهندسية، وأخيرا ارتفع 31.7 في المائة في المهن الصحية، ووصلت في المتوسط نسبة الارتفاع المتحققة لإجمالي المهن والقطاعات الـ13 السابقة إلى 72.4 في المائة، بصافي زيادة ناهزت 196 ألف وظيفة.
نقلا عن الاقتصادية