جيروم باول.. بطل الأسواق

10/05/2022 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

بدأ جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، يستعيد وصف "صديق الأسواق" بجدارة، فقد بدا أمس أقل جرأة في مكافحة التضخم مما توقعه الكثيرون، فاستبعد خطوة رفع الفائدة 0.75 نقطة مئوية، لتتم الزيادة النادرة بنصف نقطة مئوية، كما خفض الميزانية العمومية للبنك بشكل أبطأ مما كان يُخشى، وكانت إشاراته مصدر بهجة في الأسواق، بل إنه كان اليوم الأفضل في بورصة نيويورك منذ مايو 2020، حيث ارتفعت بورصة ناسداك بأكثر من 3%، وبالرغم من خطواته الجريئة التي تستهدف كبح جماح التضخم الأقسى خلال 4 عقود، إلا أن رسائله ساعدت في تهدئة قلق المستثمرين حيال تعثر الأسواق أو الركود الاقتصادي.

رغم أن قرار الاحتياطي الفيدرالي يبدو متشددًا بشأن السياسة النقدية، إلا أنه قرار مسالم إلى حد ما مقارنة بتوقعات السوق العالمية، فإذا كان رفع أسعار الفائدة يتم بشكل كبير، إلا أنه باول يتصرف بشكل أقل عدوانية مما كان يُخشى، كما أن استجابة الأسواق تعكس حقيقة واضحة وهي أن المستثمرين قاموا بتسعير معظم خطط البنك المركزي الأمريكي، فارتفاع الأصول المحفوفة بالمخاطر على سبيل المثال تسبب في إضفاء لمسة خفيفة على الدولار، وهو أمر كلاسيكي يتمثل في "شراء الإشاعة وبيع الحقيقة"، والمهم أن السيناريو الأكثر تشددًا تم استبعاده من على طاولة الفيدرالي في الوقت الحالي، حتى لا يسبب الكثير من الاضطرابات السوقية.

والسؤال الآن: هل معدل الفائدة الحالي كافياً للسيطرة على التضخم؟، وهو موضوع نوقش بكثافة في وول ستريت، والبعض يتوقع أن يصبح البنك المركزي أكثر عدوانية في المستقبل، فإذا كان سعر الفائدة الرئيسي أعلى من معدل التضخم، فإنه يمكن لصانعي السياسة النقدية أن يسيطروا على زيادات الأسعار، وبالتالي فإن الركود أمر لا مفر منه في ظل السلبيات التي تموج بها الأسواق، ولهذا، لا ينبغي للمستثمرين أن يكونوا متحمسين للغاية، فقد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى إعادة التكيف مرة أخرى في الصيف إذا اتضح له أنه لم ينجح في وضع الأسعار تحت السيطرة، وقد يذهب باول بعيدًا ويدفع البلاد إلى حافة الركود، وهو أمر حدث مرارًا وتكرارًا في الماضي، ولهذا، لا ينبغي التوسع في شراء الأسهم والأصول التي تنطوي على مخاطرة.

خلال السنوات القليلة الماضية، حظي جاي باول بتقدير هائل في وول ستريت، لدرجة أن الملياردير الأمريكي الشهير وارن بافيت وصفه بالبطل، مستشهداً بجهوده في مكافحة التداعيات الاقتصادية للجائحة، مما ساعد الاقتصاد الأمريكي على سرعة التعافي، ولكن بالنظر إلى المعدلات القياسية للتضخم والبالغة نحو 8.5٪، فإن هناك عدة أسئلة محورية، منها: هل باول يعد بطلاً فعلاً؟، وما مدى رغبته وفريقه في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في تسريع الوصول إلى سعر الفائدة المحايد، وهو المستوى الذي لا يعزز ولا يبطئ الاقتصاد؟، وكيف يوازن رئيس الاحتياطي الفيدرالي بين محاربة التضخم وتجنب الركود؟ خاصة وأنه بدأ يقلل خلال الآونة الأخيرة من أهمية المخاطر الاقتصادية بينما يشدد على محاربة التضخم، بالرغم من أن إمكانية تخريب الطبخة للفيدرالي أمر وارد جداً، فلربما يخنق بسياسته النقدية المتشددة الانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة.

لكن صداقة باول للأسواق مرت بمنعطفات تاريخية، فكثيراً ما أرسل بإشارات خاطئة للسوق، وهو يحاول منذ يناير الماضي تغيير صورته الذهنية من الرجل الداعم للأسواق، أو حمامة السياسة النقدية، إلى الرجل الصقر أو المقاتل الشرس للتضخم، الأمر الذي وضع الاحتياطي الفيدرالي في مسار متعرج، إذ يتقدم خطوتان للأمام، ثم يعود خطوة للوراء، ولأن المشكلة الأساسية لم تتغير، فقد اعترف باول بأن التضخم مرتفع للغاية، وأن هناك حاجة ماسة إلى تصحيح المسار، حتى لو كانت الأسواق مزعزعة، ونعتقد أن هذه التقلبات المزاجية لن تمر دون أن يلاحظها المستثمرون، إذ يمكن أن يتغير مزاجه الجيد مرة أخرى، وقد رأينا كيف تأخر الراجل في محاربة التضخم بدعوى أنه حالة مؤقتة، وإذا شعر المستثمرون أن باول لا يفعل ما يكفي، فقد تتضرر صورته الذهنية كبطل للأسواق في عرف وول ستريت. 

 

خاص_الفابيتا