استيقظ العالم على مرحلة جديدة من أزمة سلاسل التوريد عبر إقفال الصين مجدداً، مما يسلط الضوء على مشكلات تراكمت منذ سنوات ما قبل الوباء، ونعتقد أنها أزمات لن تختفي بمرور الوقت، حيث يجب على صانعي السياسات تبني إصلاحات تصل إلى قلب المشكلة عبر تحسين استجابة ومرونة شبكة النقل بأكملها، ومعالجة قضايا النقل الأساسية، وعلى وجه التحديد، لابد أن تقوم الدول باعتماد قوانين إصلاح الشحن البحري، وتحسين سعة الشاحنات من خلال زيادة وزن المركبات على الطرق السريعة، والسماح بمزيد من الوصول إلى خدمة سكة حديد شحن تنافسية وموثوقة وآمنة.
تطورت الظاهرة التي تفجرت مع بدء ظهور الجائحة قبل عامين، بل إنها انتقلت من سيء إلى أسوأ هذا العام، ما أدى إلى اضطرابات خطيرة في عمليات التصنيع، فالكثير من الشركات واجهت ظروفاً قاهرة بسبب مشاكل التوريد وبالتالي فقدت الإنتاج، بالإضافة إلى الخسائر المالية وزيادة التكاليف، وتضخم الأسعار، مما أودى بهم إلى معاناة فقدان العملاء، فضلاً عن إلحاق الضرر بمعنويات الموظفين وصعوبة الاحتفاظ بهم.
أثرت مشاكل وسائل النقل سلبًا على المنظومة ككل، وأدت التأخيرات وندرة الخدمة إلى ضغوط وثغرات، وعلى سبيل المثال، فإن تفاقم صعوبات الشحن عبر السكك الحديدية، اضطر العديد من الشركات إلى إيجاد طرق شحن بديلة في سوق النقل الضيق بالفعل، وإحدى النتائج الأكثر إثارة للقلق هي رؤية مشاكل الشحن تنتقل إلى مربعات أخطر مما يجعل من المستحيل تقريبًا الحصول على خدمة الشاحنات، وبشكل دوري توجه الشركات عملاءها لإيجاد طرق شحن بديلة، أو تضطر إلى تقليص الإنتاج.
لكن، الأخطر الآن، هو إغلاق ميناء شنغهاي الذي يعد تعطيله كابوساً حقيقياً للصينيين، حيث يشعر المنتجون والمصنعون المحليون بالقلق من أن الأسوأ قد يكون في المستقبل، رغم أن أجزاءً أخرى من العالم ستتأثر بهذا الإغلاق، فشنغهاي هي أكبر ميناء للحاويات في العالم، وتعالج 20٪ من الصادرات الصينية، وإغلاقها يعني تعطل كل مستودعات ومصانع وشاحنات المدينة تقريبًا، وهذا الأمر ليس مقصوراً على شنغهاي، فهناك أيضًا مقاطعة جوانجدونج، ولهذا يضطر ميناء شنغهاي، المغلق بالكامل، إلى نقل البضائع إلى موانئ أخرى لإخراجها من الصين.
وإذا استمر الإغلاق لفترات أطول في شنغهاي، المدينة الصاخبة التي يبلغ عدد سكانها 26 مليون نسمة، والتي تخضع للإغلاق منذ أواخر شهر مارس بهدف تصفير الوباء، فستغرق سلسلة التوريد العالمية أكثر بموجة مد وجزر، فالوضع الصحي هناك أسوأ من ووهان، المدينة التي انطلقت منها الجائحة، وقد يخلق الحدث أكبر اضطراب لوجستي منذ بداية الوباء، وهذا خبر سيئ جداً للمستهلكين الذين يعانون بالفعل جراء التضخم وارتفاع أسعار الوقود ونقص الغذاء، ولا شك أن الوقت حان للاستيقاظ ورسم مسار جديد نحو المرونة الاقتصادية للعالم، وإذا تركنا هذه اللحظة تمر، فإننا نضع أنفسنا طواعية تحت رحمة بكين.
مع ذلك، ليس الأمر سوداوياً للغاية، والصورة ليست مظلمة بشكل عام، حيث تواجه القطاعات تأثيرات مختلفة، ونعتقد أن الإجراءات الأمريكية لتسريع التدفقات في الموانئ، مثل القواعد الخاصة بنقل الحاويات الفارغة على الفور ستخفف الازدحام تدريجيًا خلال النصف الثاني، وبمجرد تحسن الاختناقات، ستهبط أسعار الشحن، ويبدو أن سلاسل التوريد ستصبح إقليمية أكثر، لأن استمرار التوترات بين الولايات المتحدة والصين يهدد بتقسيم سلاسل التوريد إلى نظامين يعمل كل منهما داخل فقاعة للابتعاد عن العقوبات والإجراءات الانتقامية الخاصة بالتعريفات الجمركية.
أيضاً، هناك علامة جيدة على أن ازدحام الموانئ يتراجع في الولايات المتحدة، فقد انخفض عدد السفن المنتظرة حالياً خارج موانئ لوس أنجلوس ولونج بيتش إلى أقل من 40 سفينة، من أكثر من 100 سفينة في بداية العام، وإذا كانت مدة انتظار السفن في موانئ شنغهاي تبلغ 3 أيام، فإنها تصل في موانئ الولايات المتحدة إلى أسبوعين أو 10 أيام على أقل تقدير، وبينما تتحسن عمليات الشحن في شنغهاي وتستأنف المصانع عملها تدريجيًا، لا تزال الحاويات تتراكم في كثير من الموانئ بسبب نقص الشاحنات، وبمجرد أن تبدأ سفن الشحن المجمعة في الإبحار مرة أخرى، فإنه من المرجح أن نكون بصدد فيضان من الحاويات التي تسد عين الشمس في الموانئ الأمريكية والأوروبية.