الأسواق تتقن فن التكيف مع الصدمات

26/02/2023 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

عندما غزت روسيا أوكرانيا قبل عام، تفجرت سلسلة من صدمات العرض التي لا تزال يتردد صداها، لكن الجديد هو أن الأسواق العالمية استطاعت أن تتكيف مع المخاطر الجيوسياسية التي لم تعد تؤثر بشكل كبير على أساس يومي، وبالرغم من تشكيك البعض قبيل بدء الحرب في أن موسكو ستشن حرباً واسعة النطاق، إلا أنها عندما فعلت ذلك، توقع الكثيرون سقوط كييف بسرعة، وأن الانقسامات الغربية ستؤدي إلى عقوبات معتدلة نسبيًان فجأة، وجدت روسيا نفسها غارقة في المستنقع، فقد تعرضت لجولات كاسحة من العقوبات التي فصلت اقتصادها عن النظام المالي العالمي، وتجمدت معظم التجارة بين روسيا، وأوروبا والولايات المتحدة، وحرمت موسكو من الوصول إلى أسواق الدولار، وبالرغم من قسوة عام 2022 على المستثمرين، إلا أنه يتضاءل بجانب دمار الحرب، وربما لم يكن الغزو الروسي هو السبب الجذري للارتفاع التضخمي، إلا أنه أشعل فتيل التدافع من قبل محافظي البنوك المركزية للسيطرة على التضخم.

رافقت الخسائر الفادحة في الأرواح، فاتورة باهظة تمثلت في تباطؤ النمو، وارتفاع التضخم، وتشديد السياسة النقدية، وتدمير أسعار الأصول، ولكن، لم تعد الحرب الآن في صدارة أذهان المستثمرين رغم استمرار تعطل إمدادات الطاقة وتدفقات التجارة، كما تراجعت أسعار السلع الأساسية مع تكيف الأسواق مع صدمات العرض، وإذا كان من المألوف أن تفقد الصدمات مثل الحرب قدرتها على التأثير على الأسواق كلما طال أمد الاضطراب، إلا هذا الأمر يمكن أن يتغير، هناك سؤالين يجب على المستثمرين التفكير فيهما، الأول هو ما إذا كانت بعض التطورات السلبية في الصراع، مثل انتصار روسيا، أو تحول نظرتها التوسعية إلى بلد آخر، يمكن أن تؤدي إلى زيادة في النفور من المخاطرة وانهيار أسعار الأصول، والسؤال الثاني الأكثر تفاؤلاً هو ما إذا كان السلام المفاجئ يمكن أن يقلل من النفور من المخاطرة ويسمح لأسعار الأصول العالمية بالارتفاع؟، والإجابة الأكثر احتمالا لكلا السؤالين هي بالنفي.

لا يبدو أن أوكرانيا قادرة على إخراج روسيا من المناطق التي تحتلها، ولا يبدو أن الدب الروسي قادر على الاستيلاء على البلد بأكملها وتنصيب قادتها، مما يترك المعارك تحتدم بينما تركز الأسواق على أشياء أخرى، مثل سياسات البنوك المركزية، ومخاوف الركود، فيما يظل التقدم نحو اتفاق سلام خياراً مشكوكًا فيه، وحتى لو كان ذلك ممكنًا، فلن يفعل الكثير للتراجع عن الصدمات التي حدثت بالفعل، لن يدفع اتفاق السلام أوروبا إلى شراء نفس مستويات النفط والغاز الروسية قبل الأزمة، لأن العقوبات التي فرضها الغرب ستستمر قطعاً لأسباب جوهرية في الصراع منها أن الغرب يريد إرسال رسالة معادية للصين حتى لا تستسهل غزو تايوان، وإذا كان التفاؤل سيسمح للأصول المالية بارتفاع سريع، إلا أن حرب أوكرانيا ستظل عاملًا أساسيًا في تحديد أسعار الأصول، فيما ينصب تركيز المستثمرين الأساسي على تحركات البنوك المركزية.

 

خاص_الفابيتا