استمرار محفزات النمو الاقتصادي

05/04/2023 0
عبد الحميد العمري

اكتملت المؤشرات الإيجابية لأداء الاقتصاد السعودي خلال 2022، بانخفاض معدل البطالة بين المواطنين إلى أدنى مستوياته التاريخية عند 8.0 في المائة (4.2 في المائة للذكور، 15.4 في المائة للإناث)، مدفوعا بعديد من العوامل الاقتصادية والمالية الإيجابية خلال العام نفسه، بوصول معدل النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي إلى أعلى مستوياته أكثر من عقد زمني مضى عند 8.7 في المائة، ونمو القطاع غير النفطي بالأسعار الحقيقية 4.8 في المائة (القطاع الخاص 5.3 في المائة)، وتسجيل المالية العامة للدولة أول فائض مالي لها منذ 2013 بنحو 103.9 مليار ريال (2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، إضافة إلى نمو إجمالي التجارة الدولية السعودية 39.5 في المائة إلى أعلى من 2.2 تريليون ريال (54.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، كان من أهم ما حققته نمو الصادرات غير النفطية للفترة نفسها 14.8 في المائة إلى أكثر من 265.8 مليار ريال، كأعلى مستوى تاريخي لها (11.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وهو ما اتسمت به بقية المؤشرات الأخرى التي تعكس الأداء الاقتصادي والمالي والتجاري، ولا يتسع المجال الضيق لاستعراضها كاملة هنا.

ليس جديدا التأكيد على أن تلك المؤشرات الإيجابية، جاءت نتيجة الإصلاحات والتطويرات الواسعة التي شهدها الاقتصاد منذ أكثر من سبعة أعوام مضت من عمر العمل المتكامل بالبرامج التنفيذية والمبادرات العديدة تحت مظلة رؤية المملكة 2030، أسهمت مجتمعة في الدفع بإمكانات وقدرات الاقتصاد نحو مزيد من تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وفتح المجال على أوسع نطاقاته لاستغلال الفرص الاستثمارية المحلية، وتوظيفها في الاتجاهات متوسطة وطويلة الأجل التي تعزز من الاستقرار الاقتصادي ومتانته بالدرجة الأولى، ومن ثم فتح مزيد من قنوات النمو الاقتصادي المستدام مبتعدا عاما بعد عام عن الاعتماد الكبير سابقا على الموارد النفطية، وهو ما أظهرته بصورة واضحة الارتفاعات المطردة في الإيرادات غير النفطية للمالية العامة، بنموها بمعدل سنوي متوسط خلال أعوام الرؤية الماضية وصل إلى 14.6 في المائة، وتشكيلها طوال تلك الفترة لنحو 37.3 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، ووصولها إلى أعلى من 3.2 مضاعف ما كانت عليه قبل بدء برامج رؤية 2030، ولا يزال العمل قائما على دفعها بمزيد من النمو المستمر -بمشيئة الله تعالى- وصولا إلى هدفها الاستراتيجي عند 1.0 تريليون ريال بحلول 2030، مستندة بالدرجة الأولى إلى النمو في الناتج المحلي للقطاع الخاص، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، التي سيرافق نموه واتساعه نمو في معدلات توطين الوظائف أمام الموارد البشرية المواطنة.

لقد أثبت الاقتصاد السعودي قدرة كبيرة جدا -بحمد الله- منذ الفترات التي تضمنت التصدي لآثار وتداعيات الجائحة العالمية كوفيد - 19، بادرت الدولة من ذلك التاريخ ولا تزال في تسخير جميع الموارد والجهود الهادفة إلى دعم القطاع الخاص والاقتصاد الوطني، من خلال عديد من المبادرات والمحفزات، التي أسهمت بدرجة كبيرة في التأكيد على ترسيخ الاستقرار الاقتصادي عموما، والقطاع الخاص، خصوصا في مواجهة مختلف التحديات الاقتصادية والمالية، وحافظت على استمرار تلك المحفزات طوال الأعوام الأخيرة، التي أثمرت -بعد توفيق الله- عن تسجيل الاقتصاد السعودي عموما، والقطاع الخاص تحديدا معدلات نمو حقيقية متسارعة، ويؤمل أن تمتد تلك المعدلات من النمو طوال الفترة الراهنة والأعوام المقبلة بمشيئة الله تعالى.

قد يوجد اختلاف خلال الفترة الراهنة من حيث التحديات العالمية مقارنة بمثيلها خلال الأعوام من بعد الجائحة العالمية، التي امتدت إلى مزيد من التوقعات عالية الاحتمالات بركود الاقتصاد العالمي خلال العامين الجاري والمقبل، نتيجة للمنهجيات المتشددة التي أصبحت تعتمد عليها البنوك المركزية بصورة غير مسبوقة في منظور أكثر من أربعة عقود زمنية مضت، وما ترتب عليه من سقوط أغلب الدول الأقل دخلا والديون الخارجية المرتفعة في أزمات اقتصادية ومالية لم يسبق لها مثيل، أدخلتها في نزاعات داخلية واضطرابات هائلة، إضافة إلى تصاعد التحديات الجيوسياسية العالمية "منشؤها النزاع الروسي الأوكراني"، وما ترتب عليه من عقوبات اقتصادية غربية على الاتحاد الروسي، انعكست أصداؤها السلبية على الاقتصاد العالمي بأكمله، في الوقت ذاته الذي لم تتمكن بعد أجزاء واسعة من العالم من الخروج من تداعيات الجائحة العالمية. كل تلك التحديات وغيرها مما لا يتسع المجال المحدود هنا لذكرها بالتفصيل، ستكون لها بالتأكيد آثار عكسية على الاقتصاد المحلي عموما بنسب أدنى مقارنة بكثير من الاقتصادات، إلا أنها قد تكون مؤثرة إلى حد ما في القطاع الخاص.

ولهذا تعلو أهمية تبني مزيد من السياسات والمبادرات المرحلية المحفزة بدرجة أكبر للقطاع تحديدا، وللاقتصاد الوطني عموما بالتركيز على المجالات المنتجة منه على حساب المجالات غير النشطة منه كالمضاربات وعمليات تدوير الأموال في الأراضي وما شابهها، التي تستهدف دعم استقرار القطاع الخاص بالدرجة الأولى، بما يؤهله للمحافظة على وجوده وعلى العمالة المواطنة لديه كهدف استراتيجي أول، وبالدرجة الثانية توفير عديد من خيارات دعم نموه وتوسعه ومساهمته في تعزيز النمو الاقتصادي بصورة مستدامة، إضافة إلى تعزيز قدرته على زيادة توظيف الموارد البشرية المواطنة. إنها المرتكزات المهمة جدا المؤمل أن تتسم بها المبادرات المنشودة لأجل القطاع الخاص بالتزامن مع توقعات الركود الاقتصادي العالمي خلال العامين المقبلين، كما أنها -بحمد الله وفضله- تقع في خانة الممكن تحقيقه قياسا على الموارد المالية القياسية التي أصبحت متوافرة لدى الاقتصاد الوطني، إضافة إلى جاذبيته أمام الاستثمار الأجنبي الباحث عن اقتصادات متحفزة لمزيد من النمو، وقبل ذلك تتمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تتفوق فيه بلادنا -بحمد الله- على كثير من الدول حول العالم، جاءت نتيجة الإصلاحات العملاقة تحت مظلة رؤية المملكة 2030.

 

 

نقلا عن الاقتصادية