بات التسول، بجميع صوره وأشكاله، ومهما كانت مسوغاته، محظوراً وفق نظام مكافحة التسول الذي أقره مجلس الوزراء، ودخل حيز التنفيذ مؤخراً. عَرَّفَ النظام «المتسول» بأنه «مَن يستجدي للحصول على مال غيره دون مقابل أو بمقابل غير مقصود بذاته نقداً أو عيناً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الأماكن العامة أو المحال الخاصة أو في وسائل التقنية والتواصل الحديثة، أو بأي وسيلة كانت». ولأسباب مرتبطة بالتحول التقني، وانتشار التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد صنّف النظام التسول عبر وسائل التواصل الحديثة ضمن ممارسات التسول المحظورة، وهو أمر غاية في الأهمية لسد باب التسول الإلكتروني الذي أصبح أكثر احترافية، وتأثيراً وقدرة على جمع الأموال.
إقرار نظام مكافحة التسول سد فراغاً تشريعياً تسبب لعقود مضت، في انتشار ظاهرة التسول وتحولها إلى مهنة، إضافة إلى ما خلفته من أضرار أمنية، ومشكلات مجتمعية عميقة. ومن المهم الإشادة بالنظام، وشموليته، وما تضمنه من تحديد لجهة الاختصاص، والعقوبات التي تضمنت السجن لعام أو غرامة مالية لا تزيد عن مائة ألف ريال أو بهما معاً، والمعالجة الاجتماعية، والصحية والنفسية والاقتصادية للمتسولين السعوديين. وأنه أوقف، وبشكل نهائي، الممارسات الخاطئة واستغلال النساء والأطفال في التسول وبما يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، وصورة من صور الاتجار بالبشر المحرم دولياً. كما أنه أغلق باب جمع الأموال لغايات غير مشروعة، ومنها تمويل جماعات الإرهاب والمنظمات الخطرة.
ربما استبعد البعض علاقة التسول، وما ينجم عنها من ممارسات غير أخلاقية، بقضية الاتجار بالبشر، وهو أمر يمكن تفهمه في حال قيام المتسول بمهام عمله وفق قناعاته، ورغباته الخاصة، بعيداً عن الإكراه والتسلط، حمل الأطفال، النساء، الفتيات وذوو العاهات، ممن لا يمتلكون الخيار في تحديد مصيرهم، على التسول القسري، وإرغامهم على جمع الأموال لأطراف أخرى، أفراداً أو جماعات منظمة، يندرج ضمن الأعمال المرتبطة بجريمة الاتجار بالبشر.
التسول المُنظم يقف خلف الكثير من جرائم خطف الأطفال، تهريب البشر، إحداث الإعاقة، الابتزاز، والتحكم في مصير الضعفاء ما يجعلهم في دائرة (المماليك) لا الأحرار، ربما تحول أجر المُتصَدِّق إلى وزر في حال مساهمته في تشجيع المتسولين على استغلال الأطفال، النساء والفتيات بالمضي في جريمة الاستغلال، والتحول منها إلى جرائم أكثر بشاعة، وحُرمة، ومنها الخطف، المتاجرة بالأعضاء، والرقيق الأبيض، أو استغلال صدقته لتمويل جماعات الإرهاب.
القضاء على ظاهرة التسول يؤدي إلى القضاء على كثير من الجرائم البشعة، ويحمي المجتمع من الظواهر السلبية، ويمنع التسلل عبر الحدود، والإقامة غير النظامية، ويحقق الحماية للأطفال، الفتيات، النساء والمستضعفين ممن أُرغِموا على التسول، وحُرموا من حقوقهم المشروعة في العيش الكريم.
إقرار النظام لا يمكن فصله عن مرحلة التنفيذ المحققة لأهدافه، والتي تشكل الاختبار الحقيقي للإرادة التنفيذية، وقدرتها على مكافحة التسول، وتفعيل النظام حماية للمجتمع، وصيانة لكرامة الإنسان، وتعزيزاً للأمن الشامل. وأجزم أن الجهات الأمنية قامت بجهود متميزة لضبط المتسولين، خاصة في شهر رمضان المبارك الذي يشهد عادة انتشاراً للمتسولين، وهو ما لم نلحظه في هذا الشهر كنتيجة للحملات الأمنية المكثفة.
استدامة الجهود الأمنية في ضبط المتسولين من أهم متطلبات تمكين النظام، وحماية المجتمع، إضافة إلى أهمية الجهود المجتمعية المعززة لتلك الجهود. وقف التعاطف مع المتسولين، وعدم تقديم المساعدات المالية لهم، وتوجيهها للقنوات الخيرية الرسمية ومنها منصة إحسان، والجمعيات الخيرية يعزز الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة، بالإضافة إلى مسؤولية المجتمع عن الإبلاغ عن حالات التسول لتحقيق مستهدفات النظام، وتمكين الجهات الأمنية من القيام بدورها الرسمي تجاه المتسولين.
نقلا عن الجزيرة