أي مصير ينتظر الحرب الاقتصادية؟

03/03/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

يتقلب العالم منذ سنوات بين حروب لا هوادة فيها، فمن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، إلى الحرب الاقتصادية الراهنة بين الغرب وروسيا، وإذا كان الكيل قد طفح بالولايات المتحدة والأوروبيين خصوصاً من التصرفات الروسية إزاء الحليف الأوكراني، فإن هذا الأمر يجعل الغرب مصراً على ضرورة استنزاف موسكو عبر مسلسل لا ينتهي من العقوبات الفادحة التي قد تؤدي بالنهاية إلى انهيار الاقتصاد الروسي، الذي دخل للتو مربعاً جديداً بعد منع البنوك الروسية من الدخول على نظام سويفت العالمي للمدفوعات المالية، مما يفرض قيوداً على احتياطيات أجنبية بقيمة 630 مليار دولار، وهو سيناريو بائس جداً للروس، إذ يعتبره الدب الهائج بمثابة "حرب نووية" قد تفضي بالمعركة الاقتصادية إلى أتون حرب حقيقية، حتى أن البعض بات يتخوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة. 

قطعاً، فإن إخراج أي دولة من نظام سويفت يقتل نشاطها الاقتصادي، وإذا نفذ هذا الأمر بدقة على البنك المركزي الروسي، وجهازها المصرفي، فإن ذلك يعني شللاً في حركة الصادرات والواردات السلعية والخدمية، وستفقد روسيا جزءاً كبيراً من تجارتها الخارجية البالغة نحو 683 مليار دولار، بل إنها قد تلجأ إلى نظام المقايضة، وسيكون هذا الهامش محدوداً، ولا يفي باحتياجاتها الاقتصادية، والواقع، أن العقوبات الغربية قد تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي في النصف الثاني بمقدار 3.5%.

الأخطر للحكومة الروسية، التي سحقت في السابق أي معارضة تذكر، أن المواطنون الروس، أو الناخبون، الذين كانوا على الدوام يثقون بالبنوك المحلية كأفضل مكان لحفظ المدخرات، أصبحوا يشعرون الآن بأن بيوتهم أصبحت أكثر أماناً بسبب غموض سعر الروبل وندرة السيولة التي تثير لديهم حالة من الخوف على مدخراتهم، مما يدفعهم إلى سحب الجزء الأكبر منها من باب الاحتياط، فيما أصبح حصول المواطنين على قرض شبه مستحيل، بعد رفع سعر الفائدة إلى نحو 20% بعد أن كانت قبل أيام بحدود 9%، مما يعرقل مشاريع الأسر بخصوص شراء بيت جديد، لأن نسبة كبيرة منهم تعتمد على القروض كخيار شبه وحيد لشراء المنازل.

من المحتمل جداً، أن يؤدي التدهور المعيشي للمواطنين إلى استياء عام، الأمر الذي يهدد إدارة تواجه بالفعل احتجاجات دورية، وقد يصبح انتشارها شيئاً لا مفر منه، إلا أن التنبؤات بشأن مستقبل الاقتصاد الروسي تبدو صعبة للغاية، فعلى سبيل المثال، أصبح الروبل عملة لا يمكن توقع مسارها، إذ يتم تحديد سعره من خلال حجم أرباح العملات الأجنبية التي تبيعها الشركات، فضلا عن أن العملة الروسية يمكن أن تصل إلى حدود دنيا جديدة في حال فُرضت عقوبات جديدة على المصدرين، ونعتقد أن العقوبات الراهنة تختلف عن سابقتها في عام 2014 من ناحية استفادة مالكو العملات الصعبة من تراجع الروبل، واستفادة البعض من شراء العقارات للتحوط ضد المخاطر، أما الآن، فلا يبدو الأمر كذلك، مع رفع نسبة الفائدة على القروض إلى حدود 20%.

خلال أزمة 2014 الشهيرة، هبط سوق الأسهم وانخفض الروبل، لكن، لم تكن هناك عملية عسكرية، ولهذا نعتقد أن الأمر هذه المرة مختلفاً، فقد تشهد الفترة المقبلة نمواً في الطلب على القروض قصيرة الأجل، لكن حجم الطلب سيكون أقل مما كان عليه في الأزمة السابقة، فالحالة النفسية للمواطنين الروس لا تساعد على شراء منازل، إذ لا تزال دخول الأسر الروسية أقل من مستويات 2014، مما يؤشر على أن علامات الضعف الاقتصادي موجودة بالفعل، بينما يتمحور الرهان الغربي على سحق دفاعات الدب الروسي الاقتصادية، وقد تعيق هذه العقوبات قدرات موسكو على المدى الطويل، إذ ستجبرها على الانكفاء على التمويل الذاتي بشكل أكثر نشاطاً.

 
 
 
 
خاص_الفابيتا