كيف تدير أمريكا أزمة الفقراء؟

30/01/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

من الطبيعي أن تؤدي الصدمة الناجمة عن استمرار تفشي الوباء القاتل وتحويراته، إلى زيادة معدلات الفقر بشكل حتمي، لا مفر منه، وهذا ما حدث في كل الدنيا تقريباً، إذ دفعت الجائحة نحو 163 مليون إنسان إلى براثن الفقر في 2021، إلا أن الشواهد تؤكد خلاف ذلك في الولايات المتحدة رغم الأضرار الاقتصادية الجسيمة؛ حيث تراجعت أعداد الأمريكيين الفقراء بنحو 20 مليون شخص في العام الماضي مقارنة بمستويات عام 2018، أي بانخفاض قدره 45%، وهذه معدلات غير مسبوقة، والسؤال: كيف تمكن الاقتصاد الأمريكي من انتشال الملايين من عبودية الفقر خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة؟، وكيف نستفيد من هذه التجربة في الشرق الأوسط وأفريقيا؟

في الثامن من يناير 1964، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون في خطابه عن حالة الاتحاد "حربا غير مشروطة على الفقر في أمريكا"، ولم يكن هدفه مجرد تخفيف أعراض الفقر، ولكن علاجها وقبل كل شيء، منعها، وبعد أربعة أشهر، وسع جونسون تلك الرؤية في خطاب ألقاه في جامعة ميشيجان، داعيا إلى مجتمع عظيم يقضى على الفقر والعنصرية، وسرعان ما تلا ذلك سيل من التشريعات لإقامة دولة الرفاه الأمريكية الحديثة، وعندما غادر جونسون منصبه، كان قد أنشأ أكثر من عشرين برنامجاً جديداً لمكافحة الفقر؛ من الرعاية الصحية إلى الإسكان، ومن التدريب المهني إلى كوبونات الغذاء، فبرامج الرعاية الصحية.

بالعودة إلى سنوات الجائحة الراهنة، سنجد أن هناك ثلاثة برامج أساسية مسؤولة عن الحد من أعداد الفقراء الأمريكيين، وهي: شيكات التحفيز التريليونة، وزيادة قسائم الطعام، وتوسيع مظلة التأمين ضد البطالة، حيث تمكنت الولايات المتحدة من توفير هذه البرامج بفضل وجود المالية العامة القادرة على الإنفاق، والاعتماد على سجلات وقواعد بيانات شاملة مكنت الحكومة من الاستهداف الصحيح للمستفيدين، وهذا ما تفتقده الدول الفقيرة، إذ أن عدم اكتمال السجلات في هذه البلدان جعل توفير شبكات الأمان المعززة أمراً بالغ الصعوبة، وحتى إذا كانت السجلات رسمية ومتاحة، فإن الحيز المالي المطلوب لتوسيع شبكات الأمان للحيلولة دون زيادة معدلات الفقر لم يكن متاحاً، وإذا ظلت هذه التحديات، فستبقى الشعوب الفقيرة معرضة بشدة لصدمات مستقبلية جديدة بعد انحسار الجائحة، خاصة مع تدهور ملف التغير المناخي.

ما أكثر الدروس التي يمكن أن نتعلمها من النموذج الأمريكي في مكافحة الفقر؛ فقد اتسمت إجراءات واشنطن إزاء الجائحة بأنها محددة ومؤقتة، حيث يجري الاستغناء عنها بمجرد تعافي الاقتصاد، أما الأساليب المتبعة غالباً في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فهي عكس ذلك، وعلى سبيل المثال، فإن توفير المزيد من الوظائف في القطاع العام، وزيادة الأجور، وخطط الدعم الدائمة غير الموجهة، تعد أقل ملاءمة لشبكات الأمان الاجتماعي لأنه يصعب إلغاؤها، بالإضافة إلى ما تسببه من تشوهات واستنزاف للمالية العامة، وبالرغم من اعترافنا الكامل بأن هذه التدابير تساعد في الحد من الفقر لبعض الوقت، إلا أنه لا يمكن تحمل تكلفتها في نهاية المطاف، وهذا الأمر يفرض على هذه الدول تحقيق توازنات سليمة في الاقتصاد الكلي، وإنشاء شبكات أمان اجتماعي جيدة التصميم.

بعيداً عن النموذج الأمريكي في مكافحة الفقر، ينبغي على الدول الفقيرة اعتماد استراتيجية طويلة المدى لتحقيق النمو المستدام، مع التأكيد بشكل خاص على النمو الزراعي، وإدراج سياسات عادلة ومنصفة، والتصدي للفساد المستشري، والذي يعد المسؤول الأول عن إهدار المال العام، مع ضرورة حصول كل مواطن على فرص متساوية للترقي الطبقة الاجتماعية، وإتاحة استفادة الفقراء بشكل سلس ومدروس من برامج الحماية الاجتماعية، خاصة في أوقات تقهقر الأسواق، وتوطن الأمراض واستمرار نوبات الجفاف، وبعبارة موجزة، فإنه يتعين على الدول التي ترزح تحت نير الفقر إعادة التفكير في المعضلات القديمة بطرق جديدة، أو بمعنى آخر التفكير خارج الصندوق. 

 

 

خاص_الفابيتا